أجبتكم فأجيبوني». قالوا : نعم. فمضى بهم إلى منزله ، وقال للرباب خادمته : «أخرجي ما كنت تدّخرين» ... إلخ. وأيمُ الحقّ إنّ الحسين (عليه السّلام) كان أكرم أهل زمانه شيماً وأخلاقاً كما قال الشريف الرضي (ره) :
كَريمٌ لَهُ يَومانِ قَد كَفِلا لَهُ |
|
بِنَيلِ العُلا مِن بَأسِهِ وَسَخائِهِ |
فَيَومُ نِزالٍ مُشمِسٌ مِن سُيوفِهِ |
|
وَيَومُ نَوالٍ ماطِرٌ مِن عَطائِهِ |
فما رعت كوفان حرمةً له |
|
ولا وعتْ بما أتى في هل أتى |
المراد هنا : أهل كوفان ، حذف المضاف للإيجاز والاختصار. قال الفخر الرازي (١) في تفسير قوله تعالى : (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الّتِي كُنّا فِيهَا) (٢) : والمراد واسأل أهل القرية ، إلاّ إنّه حذف المضاف للإيجاز والاختصار ، وهذا نوع من المجاز مشهور في لغة العرب. قال أبو علي الفارسي : ودافع جواز هذا في اللغة كدافع الضروريات وجاحد المحسوسات ، ومثله قول الشاعر :
أرى أَجَأٌ لم يُسلِمِ العامَ جارَه (٣)
كأنّه يقول : إنّ أهل أجأ أو سكان جبل أجأ لم يسلموا جاره. وإنّ أجأ ذكره امرؤ القيس بشعره مؤنثاً بقوله :
أَبَت أَجَأٌ أَن تُسلِمَ العامَ جارَها |
|
فَمَن شاءَ فَليَنهَض لَها مِن مُقاتِلِ |
وهذا غلط صرف ؛ فإنّ أجأ مذكّر ، وهو اسم جبل طي. نعم ، إنّ أهل الكوفة ما رعت للحسين (عليه السّلام) حرمة حين أقدمت على قتله وقتل ذويه وأنصاره ، وذبح أطفاله ، ونهب رحله ، وسبي عياله. ذكر الحسيني (٤) قال : والحقيقة أنّ الذين أشاروا على الحسين بعدم الخروج أرادوا أن يصرفوه عن المسير إلى الكوفة ؛ لعدم ثقتهم بأهل العراق ، وترجيحهم عدم ثباتهم في تأييد إمامهم ، وصدق ظنّ مَنْ وصفهم بالغدر.
__________________
(١) انظر فخر الدين الرازي التفسير ص ١٥٤.
(٢) سورة يوسف.
(٣) أجأ وسلمى : جبلان عن يسار سميراء. المعجم لياقوت ج ١ ص ١١٣.
(٤) انظر علي جلال الحسيني ـ الحسين ـ ج ٢ ص ١٧٣.