به بنو هاشم على بني اُميّة قولهم : مَنْ مثل الحسين بن علي (عليهما السّلام) يوم الطفّ ، ما رأينا مكثوراً قطّ قد فرّق من إخوته وأهله وأنصاره أشجع منه ، كان كالليث الجائب (١) يحطم الفرسان حطماً ، وما ظنّك برجل أبت نفسه الدنية أن يعطي بيده ، فقاتل حتّى قُتل هو وبنوه وإخوته وبنو عمّه بعد بذل الأمان لهم والتوثقة بالأيمان المغلّظة ، وهو الذي سنّ للعرب الإباء ، واقتدى به أبناء الزبير وبنو المهلّب وغيرهم. قلت : شجاعته يوم الطفّ ذكّرتهم بصولات أبيه علي (عليه السّلام) ، وكان المتنبي عناه بقوله :
واستعارَ الحديدَ لوناً فألقى |
|
لونهُ في ذوائبِ الأطفالِ |
أو كما قال أبو بكر الرصافي :
لو كنتَ شاهدهُ وقد غشى الوغى |
|
يختالُ في درعِ الحديدِ المسبلِ |
لرأيتَ منهُ والحسامُ بكفّهِ |
|
بحراً يُريقُ دمَ الكماةِ بجدولِ |
وللآشني مثله :
ما لاحَ في درعٍ يصولُ بسيفهِ |
|
والوجهُ منهُ يُضيء تحتَ المغْفَرِ |
إلاّ حسبتَ البحرَ مدّ بجدولٍ |
|
والشمسُ تحتَ سحائبٍ من عثيرِ |
(وأمّا سخاؤه وجوده) : فإنّه (عليه السّلام) كان يهبّ الألوف ، بل وعشرات الألوف من الدنانير والدراهم حتّى عُدّ من سادات أجواد العرب. روى ابن عساكر في تاريخه ، عن أبي هشام القباذ أنّه كان يحمل إلى الحسين (عليه السّلام) بالمتاع من البصرة ، ولعله لا يقوم حتّى يهب عامته. وقصّته مع أسامة بن زيد مدوّنة في كتب السير والتواريخ ، إذ وفى عنه ستين ألف درهم. وناهيك عن عبادته وما جاء في الأثر عنه ، كان كثير العبادة والصلاة ، ولقد حجّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً على قدميه ، والنجائب تُقاد بين يديه. أمّا تواضعه : يكفيك ما ذكره ابن عساكر في تاريخه ، قال : إنّ الحسين (عليه السّلام) مرّ بمساكين يأكلون في الصفة ، فقالوا : الغذاء. فنزل (عليه السّلام) وقال : «إنّ الله لا يحبّ المتكبرين». فتغدّى معهم ، ثمّ قال لهم : «قد
__________________
(١) الجائب : الجافي.