والوجه الثّالث : أنّ الفاعل أقوى من المفعول ؛ فأعطي الفاعل الذي هو الأقوى ، الأقوى وهو الرّفع ، وأعطي المفعول الذي هو الأضعف ، الأضعف وهو النّصب.
والوجه الرّابع : أنّ الفاعل أوّل ، والرّفع أوّل ، والمفعول آخر ، والنّصب / آخر / (١) ؛ فأعطي الأوّل الأوّل ، والآخر الآخر.
والوجه الخامس : أنّ هذا السّؤال ، لا يلزم ؛ لأنّه لم يكن الغرض إلّا مجرد الفرق ، وقد حصل ، وبان أنّ هذا السّؤال لا يلزم : لأنّا لو عكسنا على ما أورده السّائل ، فنصبنا الفاعل ، ورفعنا المفعول ؛ لقال الآخر : فهلّا عكستم؟ فيؤدّي ذلك إلى أن ينقلب السّؤال ، والسّؤال متى انقلب ، كان مردودا ؛ وهذا الوجه ينبغي أن يكون مقدّما من جهة النّظر إلى ترتيب الإيراد ، وإنّما أخّرناه ؛ لأنّه بعيد من التّحقيق.
[بم يرتفع الفاعل]
فإن قيل : بماذا يرتفع الفاعل؟ قيل : يرتفع بإسناد الفعل إليه ؛ لا لأنّه أحدث فعلا على الحقيقة ، والذي يدلّ على ذلك أنّه يرتفع في النّفي ، كما يرتفع في الإيجاب ؛ تقول : ما قام زيد ، ولم يذهب عمرو ؛ فترفعه وإن كنت قد نفيت عنه القيام والذّهاب ، كما لو أوجبته له ؛ نحو : قام زيد ، وذهب عمرو ، وما أشبه ذلك (٢).
[الفاعل لا يتقدّم على الفعل]
فإن قيل : فلم لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل؟ قيل لأنّ الفاعل تنزّل منزلة الجزء من الكلمة ؛ وهو الفعل (٣) والدّليل على ذلك من سبعة أوجه :
أحدها : أنّهم يسكّنون لام الفعل ، إذا اتّصل به ضمير الفاعل ؛ قال الله تعالى : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)(٤) لئلّا يتوالى أربعة متحرّكات (٥) لوازم في كلمة واحدة (٦) إلّا أن يحذف من الكلمة / شيء / (٧) للتّخفيف ؛ نحو :
__________________
(١) سقطت من (س).
(٢) في (ط) وأشباه ذلك ؛ وكلاهما صحيح.
(٣) في (س) تنزّل منزلة الجزء من الفعل.
(٤) س : ٢ (البقرة ، ن : ٥١ ، مد).
(٥) في (ط) يتوالى إلى أربع حركات.
(٦) لأنّه لم يجىء في الكلام توالي أربعة متحرّكات في كلمة واحدة.
(٧) سقطت من (س).