الباب الثّالث عشر
باب نعم وبئس
[خلافهم في نعم وبئس]
إن قال قائل : هل نعم وبئس اسمان أو فعلان؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك ؛ فذهب البصريّون إلى أنّهما فعلان ماضيان لا يتصرّفان ، واستدلّوا على ذلك من ثلاثة أوجه :
الوجه الأوّل : أنّ الضّمير يتّصل بهما على حدّ اتّصاله بالأفعال ، فإنّهم قالوا : نعما رجلين ، ونعموا رجالا ؛ كما قالوا : قاما ، وقاموا.
والوجه الثّاني : أنّ تاء التّأنيث السّاكنة التي لم يقلبها أحد من العرب هاء في الوقف ، تتّصل بهما ، كما تتّصل بالأفعال ؛ نحو : نعمت المرأة ، وبئست الجارية.
والوجه الثّالث : أنّهما مبنيّان على الفتح كالأفعال الماضية ، ولو كانا اسمين لما بنيا على الفتح من غير علّة.
وذهب الكوفيّون إلى أنّهما اسمان ، واستدلّوا على ذلك من خمسة أوجه :
الوجه الأوّل : أنّهم قالوا : الدّليل على أنّهما اسمان دخول حرف الجرّ عليهما ؛ وحرف الجرّ يختصّ بالأسماء ، قال الشّاعر (١) : [الطّويل]
ألست بنعم الجار يؤلف بيته |
|
أخا قلّة أو معدم المال مصرما (٢) |
__________________
(١) الشّاعر هو : حسّان بن ثابت الأنصاريّ ، شاعر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ، وهو من المخضرمين ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ٥٤ ه. الشّعر والشّعراء ١٠٤.
(٢) يؤلف : يجعل الفقراء ومن انقطعت بهم السّبل يألفون بيته. معدم المال : فاقد المال.
مصرما : منقطعا.
موطن الشّاهد : (بنعم الجار).
وجه الاستشهاد : احتجّ الكوفيّون بظاهر العبارة ، فزعموا أنّ «نعم» اسم بمعنى الممدوح بدليل دخول حرف الجرّ عليه ؛ وحروف الجرّ لا تدخل إلّا على الأسماء. راجع الإنصاف في مسائل الخلاف : ١ / ٩٧ ـ ١٢٦.