بسم الله الرّحمن
الرحيم
مقدمة التحقيق
الحمد لله ربّ
العالمين ، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى
آله وصحبه الغرّ الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين وبعد :فقد أعزّ الله
ـ تبارك وتعالى ـ هذه الأمّة بأن جعل لغتها لغة القرآن المتعبّد بتلاوته إلى يوم
القيامة ؛ فأكرم الله ـ عزّ وجلّ ـ هذه اللّغة ، وأعلى من شأنها ، حيث صارت علومها
من علوم الدّين ؛ ولذا ، انبرى سلفنا الصّالح للقيام بالواجب تجاه هذه اللّغة
وقدسيّتها ، فقعّدوا قواعدها ، وأرسوا أسس علوم نحوها ، وصرفها ، وبلاغتها ،
وآدابها ، وما يتعلّق بكلّ جانب من جوانبها ، حتى تكامل بنيانها ، وتشعّبت
ميادينها ، وصار لكلّ علم من علومها ولكلّ فنّ من فنونها علماء متخصّصون يدرّسون
ويؤلّفون ، ويتتلمذ على أيديهم طلّاب علم مجدّون ، لا يلبثون أن يصبحوا بعد فترة
من الزّمن علماء عاملين مجدّدين ومحافظين ، يتابعون طريق أساتذتهم وشيوخهم في
مجالي التّصنيف والتّدريس ؛ وهكذا ، تنتقل الأمانة من جيل إلى جيل إلى أن يرث الله
الأرض ومن عليها.
ولعلّ أهمّ ما
يميّز هذا العصر عمّا تقدّمه من عصور هو التفات أبنائه إلى تراث الآباء والأجداد ،
والسّعي الحثيث إلى بعثه وتحقيقه ؛ لما فيه من ذخائر وكنوز ، قلّ نظيرها عند غيرنا
من الأمم مدفوعين إلى ذلك بدافع دينيّ ، وهو الحفاظ على علوم الدّين ـ ومنها علوم
اللّغة وآدابها ـ وبدافع قوميّ ، وهو الحفاظ على اللّغة العربيّة حيّة متجدّدة ؛
لأنّها العامل الموحّد والأساس من عوامل الوحدة العربيّة ؛ فالمحافظة عليها ، وعلى
تراثها ، ضرورة ملحّة ، وواجب قوميّ يقع على عاتق أبنائها ، إذا كانوا أمناء بحقّ
وصدق على ما أولاهم الله ـ تعالى ـ واختصّهم به من مقدّرات هذه الأمّة التي تسارعت
أمم الأرض من كلّ