الذّكاء والعبقريّة في توليد التّساؤلات والإجابة عنها حتّى يقرّب المادة
من نفوس النّاشئة ، وييسّر سبيل دخولها إلى الأذهان.
وجاء هذا
الكتاب في أربعة وستّين بابا ، تناولت ما له صلة في موضوع بحثه في أبواب كتب
النّحاة. ولم يكن أبو البركات يستطرد على عادة النّحاة ، بل كان يطرح التّساؤل ،
ثم يجيب عنه مباشرة بعبارات مركّزة واضحة ؛ كما جاء في باب «ما الكلم»؟ على سبيل
المثال : «فما الفرق بين الكلم والكلام؟ قيل :
الفرق بينهما
أنّ الكلم ينطلق على المفيد ، وعلى غير المفيد ؛ وأمّا الكلام ، فلا ينطلق إلّا
على المفيد خاصّة» .
وأحيانا ، كان يولّد
التّساؤلات التي قد تدور على ألسنة النّاشئة والمتبحّرين على حدّ سواء ، ثمّ ينبري
للإجابة عنها مستطردا استطرادا مركّزا هو أقرب إلى التّفريع منه إلى الاستطراد ؛
ليوضح الفكرة ، ويعلّل صحّة ما ذهب إليه بشاهد من الشّعر ، أو النّثر ، كما جاء في
باب «التّثنية» على سبيل المثال :
«إن قال قائل :
ما التّثنية؟ قيل : التّثنية صيغة مبنيّة للدّلالة على الاثنين ؛ وأصل التّثنية
العطف ؛ تقول : قام الزّيدان ، وذهب العمران ؛ والأصل : قام زيد وزيد ، وذهب عمرو
وعمرو إلّا أنّهم حذفوا أحدهما ، وزادوا على الآخر زيادة دالّة على التّثنية
للإيجاز والاختصار ؛ والذي يدلّ على أنّ الأصل هو العطف أنّهم يفكون التّثنية في
حال الاضطرار ، ويعدلون عنها إلى التّكرار ؛ كقول القائل :
كأنّ بين
فكّها والفكّ
|
|
فارة مسك
ذبحت في سكّ
|
وأحيانا ، كان
يصل إلى التّعليل من دون استشهاد يذكر بآية من القرآن الكريم ، أو من الحديث
الشّريف ، أو من الشّعر ، وإنّما يلجأ إلى الاستنتاج والمنطق ، كما نلحظ ذلك في
باب «العطف» على سبيل الذّكر لا الحصر :«إن قال قائل : كم حروف العطف؟ قيل : تسعة
؛ الواو ، والفاء ، وأو ، ولا ، وثمّ ، وبل ، ولكن ، وأم ، وحتّى. فإن قيل : فلم
كان أصل حروف العطف الواو؟ قيل : لأنّ الواو لا تدلّ على أكثر من الاشتراك فقط ،
وأمّا غيرها من الحروف ، فتدلّ على الاشتراك ، وعلى معنى زائد على ما سنبيّن. وإذا
كانت هذه الحروف تدلّ على زيادة معنى ليس في الواو ؛ صارت الواو بمنزلة الشّيء
__________________