فإن قيل : فلم (١) وجب أن يكون (٢) الحال نكرة؟ قيل : لأنّ الحال جرى (٣) مجرى الصّفة للفعل ، ولهذا سمّاها سيبويه : نعتا للفعل ، والمراد بالفعل : المصدر الذي يدلّ الفعل عليه ، وإن لم تذكره (٤) ، ألا ترى أنّ «جاء» يدل على «مجيء» وإذا قلت : «جاء راكبا» دلّ على «مجيء» موصوف بركوب ، فإذا كان الحال يجري مجرى الصّفة للفعل ـ وهو نكرة ـ فكذلك وصفه يجب أن يكون نكرة ، وأمّا قولهم : «أرسلها العراك (٥) ، وطلبته جهدك وطاقتك ، ورجع عوده على بدئه» (٦) فهي مصادر ، أقيمت مقام الحال ؛ لأنّ التّقدير «أرسلها تعترك (٧) ، وطلبته تجتهد» و «تعترك» و «تجتهد» جملة من الفعل والفاعل في موضع الحال ، كأنّك قلت : «أرسلها معتركة ، وطلبته مجتهدا» إلّا أنّه أضمر ، وجعل المصدر دليلا عليه ، وهذا كثير في كلامهم. وذهب بعض النّحويّين إلى أنّ قولهم : «رجع عوده على بدئه» منصوب ؛ لأنّه مفعول «رجع» لأنّه يكون متعدّيا ، كما يكون لازما ؛ قال الله تعالى : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ)(٨) فأعمل «رجع» في الكاف التي للخطاب ، فقال : رجعك / الله / (٩) ؛ فدلّ على أنّه يكون متعدّيا. وممّا يدلّ على أنّ الحال لا يجوز أن يكون معرفة أنّها لا يجوز أن تقوم مقام الفاعل في ما لم يسمّ فاعله ؛ لأنّ الفاعل قد يضمر ، فيكون معرفة ، فلو جاز أن يكون الحال معرفة ؛ لما امتنع ذلك ، كما لم يمتنع في ظرف الزّمان والمكان ، والجارّ والمجرور ، والمصدر على ما بيّنّا ؛ فافهمه تصب ، إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) في (ط) لم. (٢) في (ط) يكون.
(٣) في (س) تجري. (٤) في (س) يذكر.
(٥) أرسلها العراك : جملة من بيت للبيد بن ربيعة العامريّ ، أحد أصحاب المعلّقات ، أدرك الإسلام ، وهجر الشّعر ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة ٤١ ه. وأمّا البيت ، فهو :
فأرسلها العراك ولم يذدها |
|
ولم يشفق على نغص الدّخال |
المفردات الغريبة : أرسلها : الضّمير للإبل ، أو الأتن. لم يذدها : لم يمنعها.
النّغص : عدم الاستطاعة في إتمام المراد. الدّخال : دخول بعير ـ قد شرب مرّة ـ في الإبل الواردة ؛ ليشرب معها. (أسرار العربية : ١٩٣ ـ / حا ٧).
موطن الشّاهد : (أرسلها العراك).
وجه الاستشهاد : وقوع «العراك» مصدرا أقيم مقام الحال ؛ لما أوضحه المؤلّف في المتن.
(٦) أي : عائدا.
(٧) في (س) والتّقدير.
(٨) س : ٩ (التّوبة ، ن : ٨٣ ، مد).
(٩) سقطت من (س).