______________________________________________________
وأما القسم الثاني ، وهو الذي لم تنقل فيه الصيغة عن موضوعها وإنما أريد بها زمان غير زمانها المقصود بالوضع فهو الذي قصده المصنف بالذكر هنا.
إذا تقرر هذا فاعلم أن صيغ الفعل الثلاث :
منها ما هو للطلب وهو الأمر ، وما هو للخبر ، وهو الماضي والمضارع.
فالأمر مستقبل الزمان ، والماضي ماضي الزمان ، والمضارع زمانه للحال والاستقبال بالوضع كما سيأتي :
فالأمر : لا يجوز التجوز فيه بتغيير زمانه ، وإلى ذلك الإشارة بقول المصنف :
والأمر مستقبل أبدا ، أي : وزمان مطلوب الأمر مستقبل أبدا.
وأما المضارع : فيجوز أن ينصرف زمانه إلى المضي وكذا الماضي يجوز أن ينصرف زمانه إلى الاستقبال. كل ذلك بالقرائن (١).
والسبب في أن لزم الأمر الاستقبال ولم يلزم قسيميه (٢) أحد الزمانين : أن معنى الطلب يفوت بمفارقة دلالة صيغته على الاستقبال ، والأمر موضوع للطلب ؛ فلا يجوز التجوز في زمانه ؛ لئلا يفوت المقصود منه.
وأما معنى الخبر فلا يفوت بمفارقة دلالة صيغة الماضي على المضي ، ولا بمفارقة دلالة صيغة المضارع على الحال والاستقبال. وكلاهما موضوع للخبر كما تقدم ؛ فجاز التجوز في زمانيهما ؛ لأنه لا يفوت المقصود منها بالدلالة عند تغيير الدلالة على ما وضعا له من الزمان.
وقال المصنف (٣) : «لما كان الأمر مطلوبا به حصول ما لم يحصل ، كقوله تعالى : (قُمْ فَأَنْذِرْ)(٤) ، ودوام ما حصل كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ)(٥) لزم كونه مستقبلا ، وامتنع اقترانه بما يخرجه عن ذلك.
وأيضا فإنّ الفعل فعل بدلالته على الحدث والزمان المعيّن ، وكونه أمرا (٦) أو خبرا معنى ـ
__________________
(١) بمعنى أن يتغير الوضع ؛ فيراد الاستقبال من الفعل الماضي الموضوع للزمن الماضي ، ويراد الزمن الماضي من الفعل المضارع الموضوع للحال والاستقبال. وانظر أمثلة وأحوال انصراف المضارع إلى المضي ، والماضي إلى الاستقبال في الصفحات القادمة من التحقيق.
(٢) أي الماضي والمضارع.
(٣) انظر : شرح التسهيل (١ / ١٧ ـ ١٨).
(٤) سورة المدثر : ٢.
(٥) سورة الأحزاب : ١.
(٦) يقصد بالأمر هنا الطلب وهو أحد نوعي الإنشاء.