[٥٣] ولو كان الأمر كما زعمتم لوجب أن يحكم لنام بالاسمية ؛ لدخول الباء عليه ، وإذا لم يجز أن يحكم له بالأسمية لتقدير الحكاية فكذلك هاهنا لا يجوز أن يحكم لنعم وبئس بالاسمية لدخول حرف الجر عليهما لتقدير الحكاية ، والتقدير في قولك :
* ألست بنعم الجار يؤلف بيته* [٥٠]
ألست بجار مقول فيه نعم الجار ، وكذلك التقدير في قول بعض العرب «نعم السير على بئس العير» [نعم السير على عير مقول فيه بئس العير] وكذلك التقدير في قول الآخر «والله ما هي بنعم المولودة» والله ما هي بمولودة مقول فيها نعم المولودة ، وكذلك أيضا التقدير في البيت الذي ذكرناه «والله ما ليلي بليل مقول فيه نام صاحبه» إلا أنهم حذفوا منها الموصوف وأقاموا الصفة مقامه. كقوله تعالى : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) [سبأ : ١١] أي دروعا سابغات ، وكقوله تعالى : (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة : ٥] أي الملّة القيمة ؛ فصار التقدير فيها ألست بمقول فيه نعم الجار ، ونعم السير على مقول فيه بئس العير ، وما هي بمقول فيها نعم المولودة ، وما ليلي بمقول فيه نام صاحبه ، ثم حذفوا الصفة التي هي «مقول» وأقاموا المحكيّ بها مقامها ؛ لأن القول يحذف كثيرا كما يذكر كثيرا ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] أي
______________________________________________________
حرف الجر عليهما ، ووجه الإبطال أنه لا يلزم من دخول حرف الجر في اللفظ على كلمة ما أن تكون هذه الكلمة اسما ؛ لأن حرف الجر قد يدخل في اللفظ على كلمة قد اتفقنا على أنها فعل مثل نام في هذا البيت. وهذا الذي ذكرناه وذكره مؤلف الكتاب في هذا البيت أحد رأيين للعلماء في هذا الشاهد ، والرأي الآخر حكاه ابن منظور ، وخلاصته أن «نام» ليس فعلا باقيا على فعليته ، ولكنه صار مع ما بعده علما ، فهو من باب الأعلام المحكية عن الجمل ، وأنت خبير أن الأعلام المحكية عن الجمل تدخل عليها عوامل الأسماء ، ويجوز أن تضاف إليها الأسماء كما قال الشاعر :
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها |
|
بني شاب قرناها تصر وتحلب |
فقول الشاعر هنا «نام صاحبه» مثل قول الشاعر «شاب قرناها» وهذا التخريج إنما ذهب إليه من روى في بيت الشاهد :
* والله ما زيد بنام صاحبه*
فكأنه قال : ما زيد بهذا الرجل المسمى نام صاحبه ، إلا أن قوله بعد ذلك «ولا مخالط الليان» لا يلتئم مع الكلام السابق ، على هذا التخريج ، فإنه يسأل : على م يعطف قوله «ولا مخالط الليان»؟ فإنه لا يجوز حينئذ أن يعطف على «نام صاحبه» لكونه في هذا الحالة ليس صفة ، إلا إذا لحظت معناه الأول قبل أن يصير علما ، ولهذا استبعد جماعة من العلماء أن يكون «نام صاحبه» في هذا البيت علما.