المتمكن تجوّز في المضاف البناء ، قال تعالى : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) [النمل : ٨٩] فبنى «يوم» في قراءة من قرأ بالإضافة والفتح ، وهي قراءة نافع
وأبي جعفر ؛ لأنه أضيف إلى «إذ» وهو اسم غير متمكن ، وقال الشاعر :
[١٧٢] رددنا
لشعثاء الرّسول ، ولا أرى
|
|
كيومئذ شيئا
تردّ رسائله
|
فكذلك هاهنا ،
وسبب هذا يستقصى في الجواب إن شاء الله تعالى ، وأما الإضافة إلى المتمكن فلا
تجوّز في المضاف البناء فقلنا : إنه باق على أصله في الإعراب ، فكذلك هاهنا ؛
وسنبين هذا مستقصى في الجواب إن شاء الله تعالى.
وأما الجواب عن
كلمات الكوفيين : أما قولهم «إنها في معنى إلا فينبغي أن تبنى» قلنا : هذا فاسد ،
وذلك لأنه لو جاز أن يقال ذلك لجاز أن يقال : «زيد مثل عمرو» فيبنى [مثل] على
الفتح لقيامه مقام الكاف ؛ لأن قولك : «زيد مثل عمرو» في معنى «زيد كعمرو» ولما
وقع الإجماع على خلاف ذلك دلّ على فساد ما ادعيتموه.
وأما قول
الشاعر :
لم يمنع
الشّرب منها غير أن نطقت
|
|
حمامة في
غصون ذات أو قال [١٧١]
|
[١٣١] فنقول : لا نسلم أنه بنى
لأنه قام مقام «إلا» وإنما بنى «غير» لأنه أضافه إلى غير متمكن ، والاسم إذا أضيف
إلى غير متمكن جاز بناؤه ، ولهذا نظائر كثيرة من كتاب الله تعالى وكلام العرب ،
وقال الله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ
مِثْلَ ما أَنَّكُمْ
______________________________________________________
[١٧٢] لم أعثر
لهذا البيت على نسبة إلى قائل معين ، وشعثاء : اسم امرأة ، والرسول هنا الرسالة ،
ومنه قول كثير عزة :
لقد كذب
الواشون ، ما بحت عندهم
|
|
بسر ، ولا أرسلتهم
برسول
|
وقول الأسعر
الجعفي :
ألا أبلغ أبا
عمرو رسولا
|
|
بأني عن
فتاحتكم غني
|
وقول العباس بن
مرداس السلمي :
ألا من مبلغ
عني خفافا
|
|
رسولا بيت
أهلك منتهاها؟
|
والاستشهاد
بالبيت في قوله «كيومئذ» فإن الرواية فيه بفتح يوم مع أنه مدخول حرف الجر ، فدل
ذلك على أنه بناه على الفتح لإضافته إلى المبنيّ ـ وهو «إذ» وأنت خبير بأن تنوين «إذ»
هو تنوين العوض عن الجملة التي من حق «إذ» أن يضاف إليها ، كما في قوله تعالى (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ
بِنَصْرِ اللهِ) تقديره : ويوم إذ يغلب الروم يفرح المؤمنون ؛ وكذلك
قوله سبحانه : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ
يَوْمَئِذٍ) في قراءة من قرأ بفتح يوم ، ويجوز الإعراب مع ذلك ،
فتجعل فتح يوم في الآية الأولى فتح الإعراب وأنه منصوب على الظرفية متعلق بيفرح ،
وقد قرىء في الآية الثانية بجر يوم من يومئذ ، وهذا ظاهر إن شاء الله تعالى.