إلى ذلك سبيل ، ثم لو كان كما زعم لوجب أن لا تعمل ؛ لأن إنّ الثّقيلة إذا خففت بطل عملها ، خصوصا على مذهبكم ، وأما تشبيهه لها بلولا فحجة عليه ؛ لأن لو لما ركبت مع لا بطل حكم كل واحد منهما عما كان عليه في حالة الإفراد ، وحدث لهما بالتركيب حكم آخر ، وكذلك كل حرفين ركب أحدهما مع الآخر ؛ فإنه يبطل حكم كل واحد منهما عما كان عليه في حالة الإفراد ، ويحدث لهما بالتركيب حكم آخر ، وصار هذا بمنزلة الأدوية المركبة من أشياء مختلفة فإنه يبطل حكم كل واحد منها عما كان عليه في حالة الإفراد ، ويحدث لها بالتركيب حكم آخر ، وهو لا يقول في «إلّا» كذلك ، بل يزعم أن كل واحد من الحرفين باق على أصله وعمله بعد التركيب كما كان [١٢٢] قبل التركيب. وأما تشبيهه لها بحتى فبعيد ؛ لأن «حتى» حرف واحد ، وليس بمركب من حرفين فيعمل عمل الحرفين ، وإنما هو حرف واحد يتأول تأويل حرفين في حالين مختلفين : فإن ذهب به مذهب حرف الجر لم يتوهم فيه غيره ، وإن ذهب به مذهب حرف العطف لم يتوهم فيه غيره ، بخلاف «إلّا» فإن إلّا عنده مركبة من إنّ ولا ، وهما منطوق بهما ، فإذا اعتمد على أحدهما بطل عمل الآخر وهو منطوق به ، فبان الفرق بينهما.
والذي يدل على فساد ما ذهب إليه قولهم «ما قال إلّا له» فإن «له» لا شيء قبله يعطف عليه ، وليس في الكلام منصوب فتكون «إلا» عاملة فيه ؛ فدل على فساد ما ذهب إليه.
وأما قول الكسائي «إنّا نصبنا المستثنى لأن تأويله إلا أنّ زيدا لم يقم» قلنا : لا يخلو إما أن يكون الموجب للنصب هو أنه لم يفعل ، أو أنّ ، فإن أراد أن الموجب للنصب أنه لم يفعل فيبطل بقولهم «قام زيد لا عمرو (١)» وإن أراد أن أنّ هي الموجبة للنصب كان اسمها وخبرها في تقدير اسم ، فلا بد أن يقدّر له عامل يعمل فيه ، وفيه وقع الخلاف.
وقد زعم بعض النحويين أن قول الكسائي تقدير لمعنى الكلام لا لعامله ، وإلا فقوله يرجع إلى قول البصريين.
وأما ما حكي عنه من أن المستثنى ينتصب لأنه مشبه بالمفعول ؛ فهو أيضا قريب من قول البصريين ؛ لأنه لا عامل هاهنا يوجب النصب إلا الفعل المتقدم على ما بيّنا ، والله أعلم.
__________________
(١) يريد أن عمرا في هذا المثال لم يفعل القيام ، ولم ينصب ، فلا يكون كونه لم يفعل عاملا النصب ، فتأمل ذلك.