فبلّله : فعل ماض ، وهو في موضع الحال ؛ فدل على جوازه.
وأما القياس فلأن كل ما جاز أن يكون صفة للنكرة نحو «مررت برجل قاعد ، وغلام قائم» جاز أن يكون حالا للمعرفة نحو «مررت بالرّجل قاعدا ، وبالغلام قائما» ، والفعل الماضي يجوز أن يكون صفة للنكرة نحو «مررت برجل قعد ، وغلام قام» فينبغي أن يجوز أن يقع حالا للمعرفة نحو «مررت بالرّجل قعد ، وبالغلام قام» وما أشبه ذلك.
والذي يدلّ على ذلك أنا أجمعنا على أنه يجوز أن يقام الفعل الماضي مقام الفعل المستقبل ، كما قال تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) [المائدة : ١١٦] أي : يقول ، وإذا جاز أن يقام الماضي مقام المستقبل جاز أن يقام مقام الحال.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه لا يجوز أن يقع حالا وذلك لوجهين ؛ أحدهما : أن الفعل الماضي لا يدل على الحال ؛ فينبغي أن لا يقوم مقامه ، والوجه الثاني : أنه إنما يصلح أن يوضع موضع الحال ما يصلح أن يقال فيه «الآن» أو «السّاعة» نحو : «مررت بزيد يضرب ، ونظرت إلى عمرو يكتب» ؛ لأنه يحسن أن يقترن به الآن أو الساعة ، وهذا لا يصلح في الماضي ، فينبغي أن لا يكون حالا ؛ ولهذا لم يجز أن يقال : «ما زال زيد قام ، وليس زيد قام» لأن «ما زال ، وليس» يطلبان الحال ، و «قام» فعل ماض ؛ فلو جاز أن يقع حالا لوجب أن يكون هذا جائزا ؛ فلما لم يجز دل على أن الفعل الماضي لا يجوز أن يقع حالا ، وكذلك لو قلت «زيد خلفك قام» لم يجز أن يجعل «قام» في موضع الحال ؛ لما بيّنا ، ولا يلزم على كلامنا إذا كان مع الماضي «قد» حيث يجوز أن يكون حالا نحو «مررت بزيد قد قام» وذلك لأن «قد» تقرب الماضي من الحال ، فجاز أن يقع معها حالا ، ولهذا يجوز أن يقترن به الآن أو الساعة فيقال : «قد قام الآن ، أو الساعة» فدلّ على ما قلناه.
وأما الجواب [١١٥] عن كلمات الكوفيين : أما احتجاجهم بقوله تعالى : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء : ٩٠] فلا حجة لهم فيه ، وذلك من أربعة أوجه ؛
______________________________________________________
الجملة الفعلية التي فعلها ماض حالا من غير أن يقرن الفعل بقد ، والكوفيون يستدلون بهذا البيت وما أشبهه على أنه يجوز أن يقع الفعل الماضي حالا من غير أن يقرن بقد ، فأما البصريون فيزعمون أنه لا بدّ حينئذ من اقتران الفعل الماضي بقد في اللفظ أو في التقدير ، وعلى هذا تكون «قد» مقدرة ههنا قبل الفعل ، والإنصاف أن الاستدلال بنفس الكلام الوارد عن العرب ، وقد رأينا أن فصحاءهم يجيئون بالفعل الماضي حالا غير مقرون بقد ، فأما التقدير فلا دليل عليه.