فينبغي أن يكون الفعل الذي يعرف به المصدر أصلا للمصدر.
[١٠٣] قالوا : ولا يجوز أن يقال «إنّ المصدر إنما سمّي مصدرا لصدور الفعل عنه ، كما قالوا للموضع الذي تصدر عنه الإبل مصدرا لصدورها عنه» لأنّا نقول : لا نسلم ، بل سمّي مصدرا لأنه مصدور عن الفعل ، كما قالوا «مركب فاره ، ومشرب عذب» أي : مركوب فاره ، ومشروب عذب ، والمراد به المفعول ، لا الموضع ، فلا تمسّك لكم بتسميته مصدرا.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : الدليل على أن المصدر أصل للفعل أن المصدر يدل على زمان مطلق ، والفعل يدل على زمان معين ، فكما أن المطلق أصل للمقيد ، فكذلك المصدر أصل للفعل.
وبيان ذلك أنهم لما أرادوا استعمال المصدر وجدوه يشترك في الأزمنة كلها ، لا اختصاص له بزمان دون زمان ، فلما لم يتعين لهم زمان حدوثه لعدم اختصاصه اشتقوا له من لفظه أمثلة تدل على تعين الأزمنة ، ولهذا كانت الأفعال ثلاثة : ماض ، وحاضر ، ومستقبل ؛ لأن الأزمنة ثلاثة ؛ ليختص كل فعل منها بزمان من الأزمنة الثلاثة ؛ فدل على أن المصدر أصل للفعل.
ومنهم من تمسك بأن قال : الدليل على أن المصدر هو الأصل أن المصدر اسم ، والاسم يقوم بنفسه ويستغني عن الفعل ، وأما الفعل فإنه لا يقوم بنفسه ويفتقر إلى الاسم ، وما يستغني بنفسه ولا يفتقر إلى غيره أولى بأن يكون أصلا مما لا يقوم بنفسه ويفتقر إلى غيره.
ومنهم من تمسك بأن قال : الدليل على أن المصدر هو الأصل أن الفعل بصيغته يدل على شيئين : الحدث ، والزمان المحصل ، والمصدر يدل بصيغته على شيء واحد وهو الحدث ، وكما أن الواحد أصل الاثنين فكذلك المصدر أصل الفعل.
ومنهم من تمسك بأن قال : الدليل على أن المصدر هو الأصل أن المصدر له مثال واحد نحو الضّرب والقتل ، والفعل له أمثلة مختلفة ، كما أن الذهب نوع واحد ، وما يوجد منه أنواع وصور مختلفة.
ومنهم من تمسك بأن قال : الدليل على أن المصدر هو الأصل أن الفعل بصيغته يدل على ما يدل عليه المصدر ، والمصدر لا يدل على ما يدل عليه الفعل ، ألا ترى أن «ضرب» يدل على ما يدل عليه الضّرب ، والضرب لا يدل على ما يدل عليه «ضرب» وإذا كان كذلك دلّ على أن المصدر أصل [١٠٤] والفعل فرع ؛ لأن