فأضاف المصدر إلى «القواقيز» وهو فاعل فيمن روى «أفواه» منصوبا ، ومن روى «أفواه» بالرفع جعله مضافا إلى المفعول ، والشواهد على هذا النحو كثيرة جدا.
وأما البيت الذي أنشدوه :
* يا أيّها المائح دلوي دونكا* [١٤٣]
فلا حجّة لهم فيه من وجهين ؛ أحدهما : أن قوله «دلوي» ليس هو في موضع نصب ، وإنما هو في موضع رفع ؛ لأنه خبر مبتدأ مقدّر (١) ، والتقدير فيه : هذا دلوي دونكا. والثاني : أنّا نسلم (٢) أنه في موضع نصب ، ولكنه لا يكون منصوبا بدونك ، وإنما هو منصوب بتقدير فعل ؛ كأنه قال : خذ دلوي دونك ، و «دونك» مفسر لذلك الفعل المقدر.
وأما قولهم «إنها قامت مقام الفعل فيجوز تقديم معمولها [١٠٢] عليها كالفعل» قلنا : هذا فاسد ، وذلك لأن الفعل (٣) الذي قامت هذه الألفاظ مقامه يستحق في الأصل أن يعمل النصب ، وهو متصرف في نفسه فتصرّف عمله ، وأما [هذه] الألفاظ فلا تستحق في الأصل أن تعمل النصب ، وإنما أعملت لقيامها مقام الفعل ، وهي غير متصرفة في نفسها ؛ فينبغي أن لا يتصرف عملها ؛ فوجب أن لا يجوز تقديم معمولها عليها ، والله أعلم.
______________________________________________________
مصدرا مضافا إلى فاعله ثم بعد ذلك أتى بمفعوله ، ومن رفع فقد جعل الفرع مصدرا مضافا إلى مفعوله ثم أتى بعد ذلك بفاعله ، وكل من الوجهين صحيح من جهة العربية ومن جهة المعنى ؛ فقد أضيف المصدر إلى فاعله ثم أتى بمفعوله كثيرا كما في الشواهد السابقة وما أثرناه معها ، وأضيف إلى مفعوله ثم أتي بفاعله كما في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فإن الحج مصدر مضاف إلى مفعوله الذي هو البيت وقد جيء بعده بفاعله وهو قوله سبحانه (مَنِ اسْتَطاعَ).
ومن الأول : ـ زيادة على ما أثرناه ـ قول الشاعر ، وهو الأشجعي :
وعدت وكان الخلف منك سجية |
|
مواعيد عرقوب أخاه بيثرب |
وقد جاء في القرآن الكريم من ذلك قول الله تعالى : (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) ومنه قوله سبحانه : (تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) ومن شواهد ذلك في اسم المصدر قول القطامي :
أكفرا بعد رد الموت عني |
|
وبعد عطائك المائة الرتاعا |
__________________
(١) ويجوز أن يكون مبتدأ خبره الجملة من اسم الفعل وفاعله المستتر فيه وجوبا ، لكن المؤلف لا يجيز هذا الوجه ، لأن الإخبار بالجملة الإنشائية لا يصح عنده ؛ لذلك لم يذكر هذا الوجه ، وقد نبهناك إلى ذلك في شرح الشاهد.
(٢) في ر «أنا لا نسلم ـ الخ» ولا يصح مع ما بعده.
(٣) في ر «الفعل التي» وليس بشيء.