وأما القياس فلأن الأصل في «لكنّ» إنّ ، زيدت عليها لا والكاف ؛ فصارتا جميعا حرفا واحدا ، كما زيدت عليها اللام والهاء في قول الشاعر :
[١٣٠] [٩٢]لهنّك من عبسيّة لوسيمة |
|
على هنوات كاذب من يقولها |
______________________________________________________
[١٣٠] أنشد ابن منظور هذا البيت (ل ه ن) ثاني بيتين ، ونسب روايتهما إلى الكسائي ، ولم يعزهما إلى قائل معين ، والبيت السابق عليه قوله :
وبي من تباريح الصبابة لوعة |
|
قتيلة أشواقي ، وشوقي قتيلها |
وأنشد بيتا آخر يشترك مع بيت الشاهد في صدره ، ولم يعزه إلى معين أيضا ، وهو بتمامه هكذا :
لهنك من عبسية لوسيمة |
|
على كاذب من وعدها ضوء صادق |
والاستشهاد بالبيت في قوله «لهنك لوسيمة» وللعلماء ثلاثة آراء في تخريج هذه العبارة :
الأول : أنها في الأصل «لإنك» بلام توكيد مفتوحة ثم إن المكسورة الهمزة المشددة النون ، والأصل أن لام التوكيد التي تدخل على إن المكسورة تتأخر عن إن وما يليها ؛ فتدخل على خبرها كما تقول «إن زيدا لمنطلق» أو على اسمها بشرط أن يتأخر عن الخبر كما في قوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) أو على ضمير الفصل الواقع بين اسمها وخبرها نحو قوله سبحانه : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) ولا يجوز أن تقترن اللام بإن ، ولكنه لما أبدل الهمزة من إن هاء توهم أنها كلمة أخرى غير إن ، واللام في «لوسيمة» زائدة ، وهذا معنى قول الجوهري : «وقولهم لهنك ـ بفتح اللام وكسر الهاء ـ فكلمة تستعمل عند التوكيد ، وأصله لإنك ، فأبدلت الهمزة هاء ، كما قالوا في «إياك» : هياك. وإنما جاز أن يجمع بين اللام وإن وكلاهما للتوكيد لأنه لما أبدلت الهمزة هاء زال لفظ إن فصار كأنه شيء آخر» اه كلامه بحروفه ، وهذا المذهب ينسب إلى سيبويه.
الرأي الثاني : ذهب جماعة من النحاة إلى أن أصل «لهنك» لاه إنك ، أي والله إنك ، على نحو ما جاء في قول ذي الإصبع العدواني :
لاه ابن عمك ، لا أفضلت في حسب |
|
عني ، ولا أنت دياني فتخزوني |
أي لله ابن عمك ، ثم حذفت الألف والهمزة من «إن» فصار لهنك ، وهذا مذهب ينسب إلى الكسائي وكان أبو علي الفارسي يرجحه ، قال ابن جني تلميذه «وفيه تعسف» قال الجوهري : «وأنشد الكسائي :
* لهنك من عبسية لوسيمة*
وقال : أراد لله إنك من عبسية ، فحذف اللام الأولى (يريد لام الجر) والألف من إنك» اه ، وقد نسب المؤلف هذا الرأي إلى المفضل.
الرأي الثالث : أن أصله «والله إنك» فحذف الواو وإحدى اللامين من «والله» وحذف الهمزة من إن ، وهو رأي الفراء على ما قاله المؤلف ، وفيه من التعسف أكثر مما في الرأي الثاني.
والصواب الأول. وقد ورد كثيرا في شعر العرب المحتج بهم ، من ذلك قول محمد بن مسلمة ، وأنشده ابن منظور ، وهو من شواهد الرضي ، وابن يعيش (١١٢٠) :
ألا يا سنا برق على قلل الحمى |
|
لهنك من برق على وسيم ـ |