وخلّت عن أولادها المرضعات |
|
ولم تر عين لمزن بلالا |
بأنّك الرّبيع وغيث مريع |
|
وقدما هناك تكون الثّمالا |
أراد بأنّك بالتشديد ، إلا أن الاستدلال على إعمالها في المضمر مع التخفيف [٩١] عندي ضعيف ؛ لأن ذلك إنما يجوز في ضرورة الشعر لا في اختيار الكلام إلا في رواية شاذة ضعيفة غير معروفة فلا يكون فيه حجة.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إنما عملت لشبه الفعل لفظا ؛ فإذا خفّفت زال شبهها به فبطل عملها» قلنا : هذا باطل ؛ لأن إن إنما عملت لأنها أشبهت الفعل لفظا ومعنى ؛ وذلك من خمسة أوجه ، وقد قدمنا ذكرها في موضعها فإذا خفّفت صارت بمنزلة فعل حذف منه بعض حروفه ، وذلك لا يبطل عمله ، ألا ترى أنك تقول : «ع الكلام ، وش الثوب ، ول الأمر» وما أشبه ذلك ، ولا تبطل عمله ؛ فكذلك هاهنا.
وأما قولهم «إنّ إنّ المشدّدة من عوامل الأسماء ، وإن المخفّفة من عوامل الأفعال» قلنا : هذا الاستدلال ظاهر الاختلال ، فإنا إذا قدرنا أنها مخفّفة من الثّقيلة ؛ فهي من عوامل الأسماء ، وإذا لم نقدر أنها مخفّفة من الثّقيلة ؛ فليست من عوامل الأسماء ، وإن الخفيفة في الأصل غير إن المخفّفة من الثّقيلة ؛ لأن تلك الخفيفة من عوامل الأفعال ، وهذه المخفّفة من الثّقيلة من عوامل الأسماء ، ولم يقع الكلام في إن الخفيفة في الأصل ، وإنما وقع في إن المخفّفة من الثّقيلة ، وقد بيّنا الفرق بينهما ، والله أعلم.
______________________________________________________
وإن لم يجر لها ذكر لانفهام المعنى وسياقته إلى ذهن السامع ، ونظيره ما أنشده سيبويه من قول جرير (١ / ١١٣ و ٢٠١) :
هبت جنوبا فذكرى ما ذكرتكم |
|
عند الصفاة التي شرقي حورانا |
وقوله «وخلت عن أولادها المرضعات» يريد أن الزمان قد اشتد حتى ذهلت كل مرضعة عن ولدها الذي ترضعه «بأنك ربيع» أي أنه كثير النفع واصل السيب والعطاء بمنزلة الربيع «وغيث مريع» بفتح الميم أو ضمها ـ أي مكلىء خصيب «الثمالا» بكسر الثاء المثلثة ـ هو الذخر والغياث. والاستشهاد فيه بقوله «بأنك ربيع» وقوله «وأنك تكون الثمالا» حيث خفف أن المؤكدة ، وأعملها في الاسم والخبر ، واسمها في الموضعين ضمير مخاطب مذكور ، وخبرها في الموضع الأول مفرد وهو قوله ربيع ، وفي الموضع الثاني جملة فعلية مؤلفة من تكون واسمها وخبرها ، وذلك شاذ ، والكثير المستعمل أن يكون اسمها ضميرا محذوفا ؛ لتكون عاملة كلا عاملة ، بسبب زوال بعض وجوه الشبه بينها وبين الفعل بالتخفيف ، كما أن الأكثر عند جمهرة العلماء أن يكون الضمير المحذوف ضمير الشأن ، وخالف في هذا ابن مالك فقال «إذا أمكن جعل الضمير ضمير غائب غير الشأن أو ضمير حاضر فهو أولى».