«عرقا» في قولهم «تصبّب زيد عرقا» فاعل معنى ، وإن لم يكن فاعلا لفظا ، ولهذا لم تثبت علامة التأنيث في قولهم «ما خرج إلا هند ، وما ذهب إلا دعد» وما أشبه ذلك ، على أنه قد حذف علامة التأنيث الحقيقي مع الفصل في قولهم «حضر القاضي اليوم امرأة» وقال الشاعر :
[١٠٣] إنّ امرأ غرّه منكنّ واحدة |
|
بعدي وبعدك في الدّنيا لمغرور |
وقال الآخر :
[١٠٤] لقد ولد الأخيطل أمّ سوء |
|
على قمع استها صلب وشام |
فقال «ولد» ولم يقل «ولدت».
وأما قولهم «إنه اكتفى بالفعل من أحد» قلنا : لا نسلّم أن الفعل اكتفى به من الاسم ؛ لأن الفعل لا بدّ له من فاعل ، وإنما الاسم بعد «إلا» قام مقامه واكتفى به منه ؛ لأنه لما حذف المستثنى منه قبل «إلا» قام ما بعد «إلا» حين حذفته مقامه ، كما يقوم المفعول مقام الفاعل إذا حذف نحو «ضرب زيد ، وأعطي عمرو درهما ،
______________________________________________________
[١٠٣] هذا البيت من شواهد الأشموني (رقم ٣٦٥) وقد استشهد به ابن الناظم في باب الفاعل من شرحه على ألفية والده ابن مالك ، وابن هشام في شرح شذور الذهب (رقم ٧٩) وقد ذكر العيني أنه من شواهد سيبويه ، ولكني بحثت كتاب سيبويه من أوله إلى آخره فلم أجده فيه. والاستشهاد بهذا البيت في قوله «غره واحدة» حيث لم يصل تاء التأنيث بالفعل الذي هو «غره» مع أن فاعله ـ وهو قوله «واحدة» ـ مؤنث حقيقي التأنيث ؛ فإنه في الأصل صفة لموصوف محذوف ، وتقدير الكلام : غره منكن امرأة واحدة ، والأصل في الفاعل الحقيقي التأنيث أن تلزم في فعله التاء ، والذي جرأ هذا الشاعر على حذف التاء هو الفصل بين الفعل وفاعله بالمفعول الذي هو الضمير المتصل وبالجار والمجرور ـ وهو قوله «منكن» ـ وهذا مما يجيزه جماعة من النحاة منهم ابن مالك الذي يقول في الألفية :
وقد يبيح الفصل ترك التاء في |
|
نحو «أتى القاضي بنت الواقف» |
[١٠٤] هذا البيت من قصيدة طويلة لجرير بن عطية بن الخطفي يهجو فيها الأخطل التغلبي وقومه ، وهو من شواهد الأشموني (رقم ٣٦٤) وأوضح المسالك (رقم ٢١٣) والأخيطل :
تصغير الأخطل ، وأصل الأخطل وصف بمعنى الفحاش الكثير الخطل ، ثم لقب به الشاعر المشهور ؛ وقوله «على قمع استها» يروى في مكانه «على باب استها» والصلب ـ بضم الصاد واللام جميعا ـ جمع صليب ، ووزانه وزان سرير وسرر «وشام» جمع شامة ، وهي العلامة ، والاستشهاد به في قوله «ولد الأخيطل أم سوء» فإن هذه جملة من فعل ماض هو «ولد» وفاعل مؤنث وهو «أم» ولم يصل به تاء التأنيث ، وقد علم أن الفعل الذي يسند إلى فاعل مؤنث حقيقي التأنيث يجب أن يؤنث لفظ الفعل بأن توصل به التاء التي للتأنيث إذا كان ماضيا ، لكنه ترك التاء في هذه الجملة لكون الفعل قد فصل بينه وبين فاعله بالمفعول الذي هو قوله «الأخيطل» وقد بيّنا مثل ذلك في الشاهد السابق.