أن ما أشبهت ليس ؛ فوجب أن تعمل عمل ليس ، وعمل ليس الرفع والنصب ، ووجه الشبه بينها وبين ليس من وجهين ؛ أحدهما : أنها تدخل على المبتدأ والخبر ، كما أن ليس تدخل على المبتدأ والخبر ، والثاني : أنها تنفي ما في الحال ، كما أن ليس تنفي ما في الحال ، ويقوّي الشبه بينهما من هذين الوجهين دخول الباء في خبرها كما تدخل في خبر ليس ؛ فإذا ثبت أنها قد أشبهت ليس من هذين الوجهين فوجب أن تجري مجراه ؛ لأنهم يجرون الشيء مجرى الشيء إذا شابهه من وجهين ، ألا ترى أن ما لا ينصرف لما أشبه الفعل من وجهين أجري مجراه في منع الجر والتنوين ، فكذلك هاهنا : لما أشبهت ما ليس من وجهين وجب أن تعمل عملها ؛ فوجب أن ترفع الاسم وتنصب الخبر كليس على ما بيّنا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إن القياس يقتضي أن لا تعمل» قلنا : كان هذا هو القياس ، إلا أنه وجد بينها وبين ليس مشابهة اقتضت أن تعمل عملها ، وهي لغة القرآن ، قال الله تعالى : (ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١] وقال تعالى : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) [المجادلة : ٢].
قولهم «إن أهل الحجاز أعملوها لشبه ضعيف ، فلم يقو أن تعمل في الخبر» قلنا : هذا الشبه قد أوجب لها أن تعمل عملها ، وهي ترفع الاسم وتنصب الخبر ، على أنا قد عملنا بمقتضى هذا الضعف ؛ فإنه يبطل عملها إذا تقدم خبرها على اسمها ، أو إذا دخل حرف الاستثناء ، أو إذا فصل بينها وبين معمولها بإن الخفيفة ، ولو لا ذلك الضعف لوجب [٧٨] أن تعمل في جميع هذه المواضع.
وأما دعواهم أن الأصل «ما زيد بقائم» فلا نسلم ، وإنما الأصل عدمها ، وإنما أدخلت لوجهين ؛ أحدهما : أنها أدخلت توكيدا للنفي ، والثاني : ليكون في خبر ما بإزاء اللام في خبر إنّ ؛ لأن ما تنفي ما تثبته إنّ ، فجعلت الباء في خبرها نحو «ما زيد بقائم» لتكون بإزاء اللام في نحو «إنّ زيدا لقائم» كما جعلت السين جواب لن ، ألا ترى أنك تقول «لن يفعل» فيكون الجواب «سيفعل» وكذلك جعلت قد جواب لمّا ، ألا ترى أنك تقول «لمّا يفعل» فيكون الجواب «قد فعل» ولو حذفت لما فقلت «يفعل» لكان الجواب «فعل» من غير قد ؛ فدل على أن قد جواب لمّا ، فكذلك هاهنا.
وقولهم «إنه لما حذف حرف الخفض وجب أن يكون منصوبا ؛ لأن الصّفات منتصبات الأنفس ، فلما ذهبت أبقت خلفا منها» قلنا : هذا فاسد ؛ لأن الباء كانت في نفسها مكسورة غير مفتوحة ، وليس فيها إعراب ؛ لأن الإعراب لا يقع على حروف المعاني ، ثم لو كان حذف حرف الخفض يوجب النّصب كما زعموا لكان ذلك يجب في كل موضع يحذف فيه ، ولا خلاف أن كثيرا من الأسماء تدخلها