٥ ـ إنّه حين الثورة عليه كان يحاول تكثيف هالة القدسية حول نفسه ليدفع الثوار عن قتله ، فكان يذكرهم مواقفه وشراءه بئر رومة وو و (١) ليثبت بقاءه على الإيمان ، فكان الوضوء الجديد خطوة في هذا الدرب ، إرادة منه معالجة الموقف ، لكنه عالج الداء بالداء لا بالدواء.
٦ ـ كان يحاول إشغال الناس بالخلافات الفقهية ، والمناقشات فيها ، لدفعهم عن قتله وعن الخوض في مساوئ سياسته المالية والإدارية ، وذلك ما حصل بالفعل في كثير من آرائه ، إلّا أنّ النتيجة لم تكن محمودة العاقبة بالنسبة له ، ولذا قال الإمام علي بأنّ عمله هو الذي أجهز عليه.
٧ ـ ومن أهم دوافع إبداعاته هو التفاف الأمويين حوله ، محاولين بناء مجد فقهي سياسي جديد ، وهذا هو الذي أبعد بعض كبار الصحابة من التعاون معه ، مما خلق عنده فراغا فقهيا ملأته العقلية الأمويّة المحيطة به.
٨ ـ وجود حالة الاستسلام عند كثير من الصحابة ، والتي جعلت الخليفة لا يتورّع عن طرح ما يرتئيه ، لأنّ غاية معارضتهم أن تنتهي بمجرد قوله : «رأي رأيته» ، أو بقولهم : «الخلاف شر» ، و «إنّ عثمان إمام فما أخالفه» (٢) ، ممّا يعني رسوخ ما يطرحه الخليفة في نهاية المطاف.
٩ ـ تفشّي حالة الاجتهاد ، وتلقّيها بالقبول من قبل كثير من الصحابة ، مما أهّلهم لاستقبال ما يطرحه عثمان كرأي مقبول ، وقد تفشت هذه الحالة نتيجة اجتهادات وآراء عمر بن الخطّاب بشكل كبير جدا ، ومن قبله آراء الخليفة أبي بكر.
فمن كل هذه الأمور ـ وأمور جزئية أخرى طرحناها من قبل في مدخل الدراسة ـ وجدنا هذه المبررات هي التي دفعت عثمان لابتداع الوضوء الثلاثي الغسلي الجديد ، الذي لم يرتضه الصحابة المتعبدون!!
__________________
(١) انظر تاريخ الطبري وغيره.
(٢) انظر الكامل في التاريخ ٤ : ١٠٤ ، البداية والنهاية ٧ : ٢٢٨ ، سنن البيهقي ٣ : ١٤٤.