وضوئه الغسلي جماعة من الصحابة ، فدعاهم ليريهم وضوءه ، وحمد اللّٰه على موافقتهم له (١) وتسكت الرواية عن ذكر أسمائهم ، وتجيء رواية أخرى فتذكر أسماء صحابة مخالفين لعثمان فقها وفكرا وسياسة لتحشرهم معه في الوضوء فتدعي وجود طلحة والزبير وعلي وسعد (٢) هما ممن أيداه ، مع أننا نعلم أنّ طلحة والزبير من أشدّ المخالفين لعثمان ولم يثبت عنهم وضوء غسلي عند العامة ، وكذلك سعد ، وأمّا علي فهو علم في الوضوء المسحي ، ومن أوّل المعارضين للوضوء الغسلي ، وقد مرّ عليك في المدخل مواقف الصحابة الفقهية المخالفة لعثمان.
فلما ذا تفترض هذه الرواية استشهاد عثمان لهؤلاء لا غيرهم ، مع أنّ الثابت عنهم خلاف عثمان أو عدم موافقته على أقل تقدير؟! إنّ هذه النكتة تدلّنا على وجود أصابع تريد التلاعب بالوضوء ، لتنتصر لرأي الخليفة والسائرين على نهجه.
وهذه اللفتة إذا بحثناها في الوضوء المسحي وجدناها تنسجم تماما مع منطق الأحداث والحالة الطبيعية التي تنبثق عنها نصوص الأحكام والتعاليم الدينية ، لأنّ الروايات المسحيّة الصادرة عن عليّ تكاد تتّفق على صدور الوضوء عنه في الرحبة وفي أيّام خلافته ، وأنّه علّم أبناء الكوفة لسؤال منهم ، وأن الذي طلب توضيح الوضوء كان من التابعين ، فلم نجد في تلك الروايات عليّا علّم صحابيا جليلا كابن عباس ، أو سبطا من الأسباط كالحسين ، حكما من الأحكام الأوّلية التي يعرفها أبسط المسلمين!! فتكون خلاصة هذه الفقرة أنّنا وجدنا في الروايات المدّعية لغسل لعلي ، أنّ صحابيا يعلّم صحابيّا أوضح الواضحات ، ولم نجد مثل هذه الزلة في روايات المسح ، بل كلّها تتماشى مع حالة التعليم والتعلّم الطبيعية.
وبنظرة عجلي في أبواب الفقه يستطيع القارئ أن يدرك أنّ الحالة الطبيعية في كتب الفقه هي أن يسأل التابعيّ الصحابيّ عمّا خفي عليه من أحكام ، باعتباره
__________________
(١) انظر كنز العمال ٩ : ٤٤١ / ٢٦٨٨٣ ، عن الدار قطني ١ : ٨٥ / ٩.
(٢) كنز العمال ٩ : ٤٤٧ / ٢٦٩٠٧.