لم يتشرف بلقيا رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله ، أو أن يسأل الصحابيّ صحابيّا آخر عن واقعة شهدها المسئول ولم يشهدها السائل ، أو أن يختلف صحابيّان أو أكثر في فرع من الفروع التي يمكن خفاء أحكامها عليهم.
وأما أن يسأل صحابي جليل قوي الصحبة ، قريب من النبيّ صلىاللهعليهوآله ، صحابيّا آخر عن أمر مثل الوضوء فهو من غير المعقول ومن البعيد عن سير الفقه ، وهل بإمكاننا مثلا أن نصدّق أنّ عمار بن ياسر سأل عليّا أو غيره عن عدد ركعات الصلاة اليومية ، أو أنّ عليا ابتدأه بتعليمه ذلك؟! إنّ هذا ما يأباه العقل والمنطق والوجدان.
روايات الوضوء وأطراف النزاع :
ثمّ إنّنا لو دققنا في روايات الماسحين وجدناها تحدّد أطراف النزاع بجلاء ووضوح ، بعكس روايات الغاسلين فإنّها تبهم التيّار المعارض ولا تصرّح بأسمائهم ، فها هي رواية عبد اللّٰه بن محمد بن عقيل ، تحدد أطراف النزاع ، فتذكر إرسال السجّاد عبد اللّٰه إلى الربيع لينكر عليها وضوءها الغسلي ، فالخبر ينقل لنا أنّ عبد اللّٰه أيضا من أطراف النزاع ، فهؤلاء في كفّة والربيع في كفّة ، والرواية تنقل أيضا بأمانة تكذيب ابن عباس للربيع عبر قوله : «ما أجد في كتاب اللّٰه إلّا مسحتين وغسلتين» فإن معناها رفض ما ترويه الربيع أو ترتئيه من الوضوء الغسلي.
ومثل ذلك ما جاء في رواية أنس بن مالك ، فإنّها حدّدت أنّ الحجّاج بن يوسف كان داعية الغسل بحجّة أقربية الرجل للخبث ، وصرّحت بأنّ أنسا كذّب الحجّاج جهرة في دعواه تلك مع جبروت الحجّاج وطغيانه ، ولا يفوتك أنّ الحجّاج حين أمر الناس بغسل القدمين لم يجسر على ادعاء أنّه نص القرآن أو سنّة النبيّ صلىاللهعليهوآله أو سيرة الصحابة ، ذلك ، لأنّ القرآن ظاهر في المسح ، وأمّا سنة النبيّ صلىاللهعليهوآله وسيرة الصحابة فكانا غير مدوّنين على عهد الحجّاج ، بل الحكومة كانت آن ذاك ما زالت جاهدة في اكتساب التابعين وتابعي التابعين والفقهاء ليقولوا بما تريده ، فمن رافض لذلك ومن منخرط معها ، والتدوين لم تفتح أبوابه عند الحكام بعد ، فلذلك لم يدّع الحجّاج أنّ الغسل سنّة النبيّ صلىاللهعليهوآله ولا سيرة الصحابة بل ادّعى فيها الرأي ، وإنّ الرجل أقرب