في ترسيخ فقه الأمويين ومذهب الخليفة وهو يؤكد دور السياسة في الفقه ، إذ جاء عنه أنه أرسل إلى الشعبي ليسأله عن الفريضة في الأخت وأمّ الجد؟
فأجابه الشعبي باختلاف خمسة من أصحاب الرسول فيها : عثمان ، زيد ، ابن مسعود ، علي ، ابن عباس ، ثمّ بدأ يشرح كلام ابن عباس ، فقال له الحجّاج : فما قال فيها أمير المؤمنين ـ يعني عثمان ـ؟ فذكرها له.
فقال الحجّاج : مر القاضي فليمضها على ما أمضاها عليه أمير المؤمنين عثمان (١).
ومثل هذا الموقف جاء عن الحجّاج في الوضوء ، فقد خطب في الأهواز وأمر الناس بغسل الرجلين (٢) ، ولمّا سمع بذلك أنس بن مالك اعترض عليه قائلا : صدق اللّٰه وكذب الحجّاج قال اللّٰه تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) (٣).
وبعد هذا يحق لنا أن نقول أنّ بكاء أنس بن مالك جاء لتلاعب أمثال الحجّاج بالصلاة والوضوء و ..
هذا ، ويمكننا الإشارة إلى حقيقة أخرى قد تكون خافية على البعض ، وهي : أنّ نهج الخلفاء ـ وكما عرفت ـ كان لا يرتضي الأخذ بفقه علي وابن عباس ، فنتساءل : لو صح هذا وكان فقه علي بن أبي طالب وابن عبّاس منهيّا عنه ، فكيف نقل عنهما مالك في موطّئه؟
إنّ اللّب السليم يحكم بأنّ ما نقله مالك صيغ ليكون موافقا لفقه الخلفاء ، إذ لم ينقل مالك الوجه الحقيقي لما يلتزمه على وابن عبّاس من الشرع ، وذلك يعني أنّ غالب ما نهت عنه الحكومة هو الفقه المستقل ، (أعني فقه التعبد المحض) ، لا ما أريد له أن يكون موافقا للفقه الاجتهادي السلطوي!! ، وإلّا فإنّ مالكا لم يكن ليجسر على تخطي أمر المنصور بعدم الأخذ عن علي وابن عباس.
وهكذا الحال بالنسبة إلى أمّهات المسانيد والصحاح الّتي أريد لها أن تكون كما هي عليه اليوم.
إذ لم يهتمّ ويعتنى بما يروى عن ابن عبّاس وأمثاله ممّا يؤيد مدرسة الاجتهاد
__________________
(١) حلية الأولياء ٤ : ٣٢٥.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٩٢.
(٣) المصدر السابق.