الأخذ بمذهب الرأي ، فقد أخرج النسائي في المجتبى ، والبيهقي في السنن ، عن سعيد ابن جبير ، قال : كان ابن عبّاس بعرفة ، فقال : يا سعيد ، مالي لا أسمع الناس يلبّون؟
فقلت : يخافون معاوية.
فخرج ابن عبّاس من فسطاطه ، فقال : لبّيك اللهم لبّيك ، وإن رغم أنف معاوية ، اللهم العنهم ، فقد تركوا السنّة من بغض عليّ (١).
وقوله في آخر : لعن اللّٰه فلانا ، عمدوا إلى أعظم أيام الحج فمحوا زينته ، وإنما زينة الحج التلبية (٢).
فأنصار التعبّد المحض لم يخضعوا إلى ما سنّة الخليفة عمر بن الخطّاب من مخالفات لقول رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله وفعله ، بل إنّهم كانوا يؤكّدون على عدم تركهم سنة رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله لقول أحد (٣) ، وفي آخر : أنّها سنة أبي القاسم (٤) وفي ثالث : سنة نبيكم وإن رغمتم. (٥)
ونحن قد أطلنا الوقفة عند مفردة منع تدوين الحديث كي نوضح وجه الترابط ـ بل التمانع ـ بين المحدثين ، والمانعين ، فالأول يصرّ على التحديث عن رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله وإن وضعت الصمصامة على عنقه ، وذلك لإيمانه بلزوم إبلاغ ما سمعه من رسول اللّٰه ، والآخر يرى لنفسه الاجتهاد قبال النص ويقول (رأي رأيته) وقد عرفت سابقا أنّ المخالفين لعثمان كانوا من المحدثين ، لقوله ـ كما في خبر مسلم ـ «إن ناسا يتحدثون عن رسول اللّٰه بأحاديث ، لا أدرى ما هي ، الا اني ..»
بعد هذه المقدمة السريعة لا بدّ لنا من الوقوف على موقف ابن عبّاس من الرأي عموما ، ومن الخليفة عمر بن الخطّاب على وجه الخصوص ، وإنّه إلى أيّ الاتجاهين
__________________
(١) سنن النسائي (المجتبى) ٥ : ٢٥٣ ، السنن الكبرى للبيهقي ٥ : ١١٣ ، الاعتصام بحبل اللّٰه المتين ١ : ٣٦٠.
(٢) مسند أحمد (١٨٧٠) كما في جامع المسانيد والسنن ٣٠ : ١٧٠.
(٣) مسند أحمد ٤ : ٣٧٠ ، شرح معاني الآثار ١ : ٤٩٤ / ٢٨٢٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٩٩ / ١٦٨ شرحه للنووي ٧ ـ ٨ : ٤٥٦.
(٤) صحيح البخاري ١ : ١٩٩ كتاب الصلاة باب التكبير إذا قام من السجود ، سنن النسائي (المجتبى) ٥ :١٤٨.
(٥) قاله ابن عبّاس انظر مسند أحمد (٣١٨١ ، ٣١٨٣ ، ٢٠١٣) ، جامع الأسانيد ٣٢ : ٣٦٤.