المتنجّسات ، كما إذا حكم الشارع بنجاسة الخمر ، فإنّه يرى أهل العرف أنّ لطبيعتها الخمريّة دخلا لنجاستها العينيّة ، فعند انقلابها خلّا يتبدّل موضوعها ، وهذا بخلاف ما لو عرضها نجاسة خارجيّة بأن لاقت نجسا قبل صيرورتها خمرا أو بعدها ، فإنّ موضوع هذه النجاسة العارضة بنظر العرف هو جسمها الباقي بعد الانقلاب.
هذا ، ولكن للنظر في هذه التفرقة مجال ، نظرا إلى أنّ طهارة الخلّ المستحال إليه الخمر إنّما ثبتت بالأدلّة الاجتهاديّة ، وإلّا فلو لم يكن الحكم الشرعيّ الواصل إلينا إلّا نجاسة الخمر أو مطلق العصير عند غليانه واشتداده لأشكل الحكم بطهارتهما عند انقلابهما خلّا أو دبسا ، إذ الظاهر أنّ معروض النجاسة في النجاسات العينيّة أيضا كالمتنجّسات ـ على ما هو المغروس في الأذهان ـ ليس إلّا الجسم الخارجيّ الصادق عليه عنوان النجس ، فما دام ذلك الجسم باقيا بعينه يحكم بنجاسته وإن تغيّر بعض أوصافه الموجبة لصدق العنوان ، ولذا لا يتوهّم أحد طهارة أجزاء الكلب أو الخنزير ـ كشعره وعظمه ـ بعد الانفصال ، مع أنّه لا يصدق عليها بعد الانفصال اسم الكلب أو الخنزير.
وكيف كان فمتى استحيل الجسم (١) إلى جسم بحيث صار لدى العرف شيئا آخر مغايرا للأوّل لا يجوز استصحاب شيء من أحكامه السابقة ، وهذا ممّا لا ينبغي الارتياب فيه ، وأمّا أنّ معروض الحكم في النجاسات العينيّة أيضا كالمتنجّسات هو جسمها من حيث هو ، أو أنّ لوصفها العنواني دخلا في قوام موضوعيّة
__________________
(١) في «ض ١٠ ، ١١» : «جسم».