إلى بحث طويل ، وعناء شديد ، وعلم غزير في طبقات الأرض وما تحتوي عليه ، وذلك يتوقف على علوم شتى عقلية ونقلية ، ومن هذى برأيه بدون علم يقيني فهو مجازف لا يسمع له قول ، ولا يسمح له ببث جهالاته ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ويقول السيد محمد رشيد رضا : وخلاصة هذه الفتوى أن ظواهر القرآن والأحاديث أن الطوفان كان عاما ، شاملا لقوم نوح الذين لم يكن في الأرض غيرهم ، فيجب اعتقاده ، ولكنه لا يقتضي أن يكون عاما للأرض ، إذ لا دليل على أنهم كانوا يملئون الأرض ، وكذلك وجود الأصداف والحيوانات البحرية في قمم الجبال لا يدل على أنها من أثر ذلك الطوفان ، بل الأقرب أنه كان من أثر تكوين الجبال وغيرها من اليابسة في الماء ، فإن صعود الماء إلى الجبال أياما معدودة لا يكفي لحدوث ما ذكر منها ، وكما قلنا فإن هذه المسائل التاريخية ليست من مقاصد القرآن ، ولذلك لم يبيّنها بنص قطعي ، فنحن نقول بما تقدم إنه ظاهر النصوص ، ولا نتخذه عقيدة دينية قطعية ، فإن أثبت علماء الجيولوجية خلافه لا يضرنا ، لأنه لا ينقض نصا قطعيا عندنا.
وبعد : فهذه قصة الطوفان ، كما قدمتها الآثار والتوراة ، وكذا القرآن الكريم ، ولعل مما يلفت النظر أنها جميعا تتفق على أن القوم قد انحرفوا عن سواء السبيل ، ومن ثم فقد كان قضاء الله العادل في صورة طوفان أهلك الحرث والنسل ، ولم تكتب النجاة من عقاب الله لأحد ، إلا بطل القصة والذين آمنوا معه ، وهو الذي اتفقت الروايات جميعا على أنه كان بارا تقيا ورعا ، ولكن هناك خلافات جوهرية بين النص القرآني وبين غيره من النصوص ـ سواء كانت تلك النصوص بشرية كنص سومر وبابل ، أو نصوصا يزعم لها أصحابها ما يزعمون من قداسة ، كنص التوراة.
ومن هذه الاختلافات (أولا) أن النص القرآني كان هو النص الوحيد الذي