يقتضيه الحق ، ويطمئن إليه القلب.
والجواب على ذلك والحمد لله ، أما القرآن الكريم فلم يرد فيه نص قاطع على عموم الطوفان ، ولا على عموم رسالة نوح عليهالسلام ، وما ورد من الأحاديث ، على فرض صحة سنده ، فهو آحاد لا يوجب اليقين ، والمطلوب في تقرير مثل هذه الحقائق هو اليقين ، لا الظن ، إذا عدّ اعتقادها من عقائد الدين.
وأما المؤرخ ومريد الاطلاع ، فله أن يحصل من الظن ما ترجحه عنده ثقته بالراوي أو المؤرخ أو صاحب الرأي ، وما يذكره المؤرخون والمفسرون في هذه المسألة لا يخرج عن حد الثقة بالرواية أو عدم الثقة بها ، ولا تتخذ دليلا قطعيا على معتقد ديني.
وأما مسألة عموم الطوفان في نفسها فهي موضوع نزاع بين أهل الأديان ، وأهل النظر في طبقات الأرض ، وموضوع خلاف بين مؤرخي الأمم ، أما أهل الكتاب وعلماء الأمة الإسلامية فعلى أن الطوفان كان عاما لكل الأرض ، ووافقهم على ذلك كثير من أهل النظر ، واحتجوا على رأيهم بوجود بعض الأصداف والأسماك المتحجرة في أعالي الجبال ، لأن هذه الأشياء مما لا تكون إلا في البحر ، فظهورها في رءوس الجبال دليل على أن الماء صعد إليها مرة من المرات ، ولن يكون ذلك حتى يكون قد عمّ الأرض ، ويزعم غالب أهل النظر من المتأخرين أن الطوفان لم يكن عاما ، ولهم على ذلك شواهد يطول شرحها ، غير أنه لا يجوز لشخص مسلم أن ينكر قضية أن الطوفان كان عاما لمجرد احتمال التأويل في آيات الكتاب العزيز ، بل على كل من يعتقد بالدين ألا ينفي شيئا مما يدل عليه ظاهر الآيات والأحاديث التي صح سندها ، وينصرف عنها إلى التأويل ، إلا بدليل عقلي يقطع بأن الظاهر غير المراد ، والوصول إلى ذلك في مثل هذه المسألة يحتاج