الفصل الثّالث
قصّة الطّوفان في القرآن الكريم
يزخر القرآن الكريم بالكثير من القصص الذي ساقه الله لتأكيد قيم دينية شتى فهو يحارب الوثنية ويدعو إلى الوحدانية ، ويؤكد المعاني الخلقية السامية ، ويضرب الأمثال ، ثم هو يطمئن صاحب الرسالة ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ويواسيه في الشدائد ، مذكرا إياه بما لاقه إخوة كرام له من عنت الضالين وبغي الكافرين ، فما وهنوا وما استكانوا ، وما ضعفوا وما تخاذلوا ، ولكنهم صبروا وصابروا ، ومن هنا يخاطب الله رسوله الكريم في كتابه الكريم ، (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (١).
والقرآن الكريم في كل ما جاء به من قصص ـ وإن لم يكن كتاب تاريخ يقدم لنا تفصيلات عن الأحداث التي يتعرض لها ، إلا في عرض القصة حيث يقتضيه السياق ـ تعليم للمصلحين ، وتربية للهداة ، ولكنه في كل ذلك «لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» (٢) ثم «إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ» (٣) و «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (٤).
وإن في القرآن الكريم لقصصا شتى من غير قصص الدعوة ، أو قصص الجهاد في تبليغ الرسالة ، ولكنها تراد كذلك لعبرتها ، ولا تراد لأخبارها التاريخية ، ومنها قصة
__________________
(١) سورة هود : آية ١٢٠.
(٢) سورة فصلت : آية ٤٢.
(٣) سورة آل عمران : آية ٦٢.
(٤) سورة يوسف : آية ١١١.