لهم ، ويصير معنى الكلام : إذا كنت أولى بكم وكانت طاعتي واجبة عليكم فافعلوا كذا وكذا فإنّه من جملة ما آمركم بطاعتي فيه ، وهذه عادة الحكماء فيما يلزمونه من يجب عليه طاعتهم ، فافترق الأمران وبطل أن يجعل حكمهما واحداً ، قيل : لو كان الأمر على ما ذكرت لوجب أن يكون متى حصل في المثال الذي أوردناه فائدة لمقدمته ، وإن قلت وتعلّق بين المعطوف والمعطوف عليه أن يحسن ما حكمنا بقبحه ووافقنا عليه ونحن نعلم أنّ القائل إذا أقبل على جماعة فقال : ألستم تعرفون صديقي زيداً الذي كنت ابتعت منه عبدي فلاناً الّذي صفته كذا وأشهدناكم على أنفسنا بالمبايعة؟ ثمّ قال عقيب قوله « فاشهدوا إنّي قد وهبت له عبدي » : « أو قد رددت إليه عبدي » لم يجز أن يريد بالكلام الثّاني إلاّ العبد الذي سمّاه وعيّنه في صلب الكلام ، وإن كان متى لم يرد ذلك يصحّ أن يحصل فيما قدّمه فائدة ، ولبعض كلامه تعلّق ببعض لأنّه لا يمنع أن يريد بما قدّمه من ذكر العبد تعريف الصديق ، ويكون وجه التعلّق بين الكلام أنّكم إذا كنتم قد شهدتم (١) بكذا وعرفتموه فاشهدوا أيضاً بكذا ، وهو لو صرّح بما قدّمناه حتى يقول بعد المقدّمة : فاشهدوا أنّي قد وهبت له أو رددت إليه عبدي فلاناً الذي كنت ملكته منه ، ويذكر من عبيده غير من تقدّم ذكره ، لَحَسُن وكان وجهُ حسن ما ذكرناه ، فثبت أنّ الوجه في قبح حمل الكلام الثاني على غير معنى الأوّل مع احتماله له ، خلاف ما ادّعاه السائل وأنّه الذي ذهبنا إليه.
فأمّا الدليل على أنّ لفظة « أولى » يفيد معنى الإمامة ، فهو أنّا نجد أهل اللغة لا يضعون هذا اللفظ إلاّ فيمن كان يملك ما وصف بأنّه أولى بتدبيره وتصريفه وينفذ فيه أمره ونهيه ، ألا تراهم يقولون : السّلطان أولى بإقامة الحدود من
__________________
١ ـ « شهدتهم » : الأصل.١. المعارج : ١.