ينكر أن يكون هذا علّة من أغفل رواية المقدّمة من الرواة ، فإنّ أصحاب الحديث كثيراً ما يقولون : فلان يروي عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كذا. ويذكرون بعض لفظ الخبر والمشهور منه على سبيل الاختصار ، والتعويل على الظهور في الباقي وإنّ الجميع يجري مجرى واحداً ، ويستبين فيما بعد بعون اللّه ما يقتصر من الأدلّة على إثبات الإمامة من خبر الغدير إلى المقدمة وما لا يقتصر إليها إن شاء اللّه.
وأمّا الدلالة على أنّ لفظة « مولى » تفيد في اللّغة « أولى » ، فظاهر ؛ لأنّ من كان له أدنى اختلاط باللغة وأهلها يعرف أنّهم يضعون هذه اللفظة مكان « أولى » ، كما أنّهم يستعملونها في ابن العم.
وما المنكر لاستعمالها في « الأولى » إلاّ كالمنكر لاستعمالها في غيره من أقسامها. ومعلوم أنّهم لا يمتنعون من أن يقولوا في كلّ شيء كان أولى بالشيء ، أنّه مولاه. ومتى شئت أن تفحم المطالب بهذه المطالبة فاعكسها عليه ثمّ طالبه بأن يدلّ على أنّ لفظة « مولى » تفيد ابن عم ، أو الجار أو غيرهما من الأقسام ، فإنّه لا يتمكّن من ذلك إلاّ بإيراد بيت شعر ، أو مقاصاة إلى كتاب ، أو عرف لأهل اللّغة وكلّ ذلك موجود ممكن لمن ذهب إلى أنّها تفيد « الأولى » على أنّا نتبرع بإيراد جملة تدلّ على ما ذهبنا إليه فنقول :
قد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى ، ومنزلته في اللّغة منزلته في كتابه المعروف ب « المجاز في القرآن » لمّا انتهى إلى قوله تعالى : ( مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَوليكُمْ ) أنّ معنى « مولاكم » : أولى بكم ، وأنشد بيت لبيد شاهداً له :
فغدت كلا الفرجين يحسِب أنّه |
|
مَولى المخافة خلفها وآمامها (١) |
وليس أبو عبيدة ممّن يغلط في اللّغة ، ولو غلط فيها أو وهم لما جاز أن
__________________
١ ـ شرح المعلّقات العَشر : ١٩٨.