قضى نسكه وقفل إلى المدينة ، وانتهى إلى الموضع المعروف بغدير خم ، وليس بموضع يصلح للنزول ؛ لعدم الماء فيه والمرعى ، نزل عليه جبرئيل عليهالسلام وأمره أن يقيم عليّاً عليهالسلام وينصّبه إماماً للناس ، فقال : « ربّ إنّي حديث عهد بالجاهلية » فنزل عليه : أنّها عزيمة لا رخصة فيها ، فنزلت الآية : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (١).
فنزل رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمكان الذي ذكرناه ونزل المسلمون حوله ، وكان يوماً شديد الحرّ ، فأمر رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بدوحات هناك فقمّ ما تحتها ، وأمر بجمع الرحال في المكان ، ووضع بعضها على بعض ، ثمّ أمر مناديه فنادى في الناس بالصلاة ، فاجتمعوا إليه وإنّ أكثرهم ليلفّ رداءه على قدميه من شدّة الرمضاء ، وصعد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم على تلك الرحال حتى صار في ذروتها ودعا علياً عليهالسلام فرقى حتى قام عن يمينه ثمّ خطب الناس فحمد اللّه وأثنى عليه ، ووعظ ونعى إلى الأُمّة نفسه فقال : « إنّي دعيت ويوشك أن أُجيب ، وقد حان منّي خفوقٌ من بين أظهركم ، وإنّي مخلف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ».
ثمّ نادى بأعلى صوته : ألست أولى بكم من أنفسكم؟
فقالوا : اللّهمّ بلى.
فقال لهم على النسق وقد أخذ بضبعي (٢) علي عليهالسلام فرفعهما حتى رُئي بياض إبطيهما وقال : فمن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.
__________________
١ ـ المائدة : ٦٧.
٢ ـ الضبع : العضد. ( الصحاح : « ضبع »).