والثاني : إنّ التعبير عن شيء بعلمه قد يكون للكناية كما أنّه يُكنّى ب « أبي لهب » عن الجهنّمي لملاحظة وضعه التركيبي ، فيحتمل أن يكون كنّى ب « أُمّ عمرو » عن كونها أصل العمر والحياة ، وإذا كانت أصل العمر فمن الغريب جدّاً أن يموت ، وهذان الوجهان إنّما يتمّان إن كان المراد بيان موت « أُمّ عمرو » لا هجرها عن ذلك المربع.
والثالث : أن يكون غريباً عند المتكلّم أن تهجر أُمُّ عمرو هذا المربع ، إمّا لكون المربع ممّا لا ينبغي أن يُهجر لكونه من أحاسن (١) المربع نضارةً وصفاءً وهواءً ونحو ذلك ، أو لكون أُمُّ عمرو ممّا لا ينبغي أن تهجرها ؛ لأنّها من المقصورات في الخيام اللاّئي يُستبعد جدّاً خروجهنّ ومسافرتهنّ ، أو لأنّ من الغريب أن تهجره حتّى تطمس أعلامه ويصير (٢) كذا وكذا ، أو لغاية البُعد بين حالتي المربع ؛ حالته الآن ، وحالته حين كانت فيه أُمّ عمرو.
والرابع : إنّ من الغريب جدّاً أن تطمس أعلام أرض كانت مربعاً لأُمّ عمرو ويصير (٣) كذا وكذا ، بل كان ينبغي أن يكون ببركة قدومها فيه دائم (٤) التفوّق على سائر المرابع ، والوجه الثالث إنّما يتمّ إن كان المراد بيان هجرها المربع لا موتها والرابع يعمّ الوجهين ، ويحتمل أن لا يريد هجرها ولا موتها ، بل يريد أنّها الآن تربع وتنزل في الربيع في هذا المكان الموصوف بكذا وكذا ، وحينئذ فوجه الاستغراب ظاهر.
وللإيضاح بعد الإيهام فإنّه لابدّ في الخبر من ضمير راجع إلى المبتدأ وقبل ذكره يكون مبهم المرجع ، ولتعظيم المبتدأ فإنّه يُبتدأ بغيره ليتهيّأ المخاطب لاستماعه
__________________
١ ـ « الأحاسن » : جمع « أحسَن » ، وجمع الحَسْناء من النساء : حِسان ، ولا يقال للذكر « أحسن » إنّما تقول : « هو الأحسن » على إرادة التفضيل. وأحاسن القوم : حِسانهم. ( لسان العرب : « حسن » ).
٢ و ٣ ـ أي المربع.
٤ ـ « دائمة » : الأصل ، والمثبت أصح ؛ لأنّه يعود على « مربعُ ».