فلما أن قضى نحبه انطلق الحارث حتى أتى أبا الدّرداء بحمص ، فمكث عنده ما شاء الله أن يمكث ، ثم قال الحارث : إن أخي معاذا كذا أوصاني بك وبسلمان الفارسي وبابن أمّ عبد ، فلا أراني إلّا منطلقا قبل العراق. فقدم الحارث الكوفة ثم أخذ يحضر مجلس ابن أمّ عبد بكرة وعشيا ، فبينما هو كذلك في المجلس يوما قال ابن أمّ عبد : ممّن أنت يا ابن أخي؟ قال الحارث : امرؤ من أهل الشام. فقال ابن أمّ عبد : نعم الحي أهل الشام لو لا واحدة فقال الحارث : وما تلك الواحدة؟ قال : لو لا أنّهم يشهدون على أنفسهم أنهم من أهل الجنة. فاسترجع الحارث مرتين أو ثلاثا ، قال : صدق معاذ ما قال لي قال ابن أمّ عبد : ما قال لك معاذ ابن أخ؟ قال : حذرني ذلة العالم ، قال : والله ما أنت يا ابن مسعود إلّا أحد رجلين ، إمّا رجل أصبح على يقين من الله ويشهد أن لا إله إلّا الله وأنت من أهل الجنة أم رجل مرتاب لا تدري أين منزلك. قال ابن مسعود : صدقت يا ابن أخي إنها زلة مني فلا تؤاخذني بها فأخذ ابن مسعود بيد الحارث فانطلق به إلى رحله فمكث عنده ما شاء الله أن يمكث.
ثم قال الحارث : لا بد لي من [أن] أطلع أبا عبد الله سلمان إلى المدائن ، فانطلق الحارث حتى قدم على سلمان في المدائن ، فوجده في مدبغة له يعرك الأهب بكفيه ، فلمّا أن سلّم عليه قال : مكانك حتى (١) أخرج إليك ، قال الحارث : والله ما أراك تعرفني يا أبا عبد الله ، قال : بلى قد عرفت روحي روحك قبل أن أعرفك ، فإن الأرواح عند الله جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. فمكث عنده ما شاء الله أن يمكث ثم رجع إلى الشام.
فأولئك الذين كانوا يتعارفون (٢) في الله ويتزاورون فيه ، اللهمّ اجعلنا منهم يا ربّ العالمين آمين آمين آمين.
قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي محمّد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيّوية ، أنبأنا أحمد بن معروف ، نبأنا الحسين بن الفهم ، نبأنا محمّد بن سعد (٣) ، أنبأنا عبيد الله بن موسى ، عن شيبان ، عن الأعمش ، عن شهر ، عن الحارث بن عميرة
__________________
(١) مطموسة بالأصل والمثبت عن مختصر ابن منظور ٦ / ١٦٢.
(٢) الأصل : «يتعارون» والمثبت عن المختصر.
(٣) طبقات ابن سعد ٧ / ٣٨٨ و ٣٨٩.