قال ابن أبي خيثمة (١) : نبأنا عبد الوهّاب بن نجدة الحوطي ، نبأنا محمّد بن مبارك ، نبأنا الوليد بن مسلم ، عن عبد الرحمن بن حسان قال : كان الحارث الكذّاب من أهل دمشق وكان مولى لأبي جلاس ، وكان له أب بالحولة (٢) فعرض له إبليس وكان رجلا متعبدا زاهدا لو لبس جبّة من ذهب لرئيت عليه زاهدة (٣) قال : وكان إذا أخذ في التحميد لم يسمع السّامعون إلى كلام أحسن من كلامه. قال : فكتب إلى أبيه وهو بالحولة : يا أبتاه أعجل علي ، فإني قد رأيت أشياء أتخوف أن يكون الشيطان قد عرض لي ، قال : فزاده أبوه عناه فكتب إليه أبوه : يا بنيّ أقبل على ما أمرت به إنّ الله تعالى يقول : (تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ ، [تَنَزَّلُ] عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) (٤). ولست بأفّاك ولا أثيم ، فامض لما أمرت به ، وكان يجيء إلى أهل المسجد رجلا رجلا فيذاكر لهم أمره ويأخذ عليهم بالعهد والميثاق اذ هو رأى ما يرضى قبل وإلّا كتم عليه؟ قال : وكان يريهم الأعاجيب ، كان يأتي إلى رخامة في المسجد ينقرها بيده فتسبّح ، قال : وكان يطعمهم فاكهة الصّيف في الشتاء ، كان يقول لهم : اخرجوا حتى أريكم الملائكة ، قال فيخرجهم إلى دير المرّان (٥) فيريهم رجالا على جبل (٦) ، فتبعه بشر كثير ، وفشا الأمر في المسجد وكثر أصحابه حتى وصل الأمر إلى القاسم بن مخيمرة. قال : فعرض على القاسم وأخذ عليه العهد والميثاق إن هو رضي أمرا فقبله ، وإن كرهه كتم عليه. فقال له القاسم : كذبت يا عدو الله ما أنت بنبيّ ولا لك عهد ولا ميثاق. قال : فقال له أبو إدريس : بئس ما صنعت إذ لم تليّن حتى تأخذه ، الآن يفر ، قال : وقام من مجلسه حتى دخل على عبد الملك فأعلمه بأمر حارث ، فبعث عبد الملك في طلبه فلم يقدر ، فخرج عبد الملك فنزل الصّنّبرة (٧) قال فاتهم عامة عسكره بالحارث أن يكونوا يرون رأيه.
__________________
(١) الخبر بطوله في معجم البلدان (الحولة) بسنده عن أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب ، ومختصر ابن منظور ٦ / ١٥١ نقلا عن عبد الرحمن بن حسان.
(٢) الحولة بالضم ثم السكون ، اسم لناحيتين بالشام إحداهما من أعمال ... والأخرى كورة بين بانياس وصور من أعمال دمشق.
(٣) في معجم البلدان والوافي بالوفيات ١١ / ٢٥٤ زهادة.
(٤) سورة الشعراء ، الآية : ٢٢١ والزيادة عن القرآن الكريم.
(٥) بالقرب من دمشق على تل مشرف على مزارع الزعفران ورياض حسنة (معجم البلدان).
(٦) في معجم البلدان : خيل.
(٧) موضع بالأردن مقابل لعقبة أفيق ، بينه وبين طبرية ثلاثة أميال. ووردت محرفة في معجم البلدان هنا في الخبر : «الصبيرة».