عمرو بن امرئ القيس أمّ حاتم طيئ ـ فهو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس ـ لا تمسك شيئا ، سخاء وجودا ، وكان إخوتها يمنعونها فتأبى ، وكانت امرأة موسرة فحبسوها في بيت سنة يطعمونها قوتها ، لعلها تكفّ عمّا تصنع ثم أخرجوها بعد سنة ، وقد ظنّوا أنّها قد تركت ذلك الخلق فدفعوا إليها صرمة (١) من مالها وقالوا : استمتعي بها ، فأتت امرأة من هوازن وكانت تغشاها فسألتها فقالت : دونك هذه الصّرمة فقد والله مسّني (٢) من الجوع ما آليت ألّا أمنع سائلا شيئا ، ثم أنشأت تقول (٣) :
لعمري لقدما عضّني الجوع عضّة |
|
فآليت ألّا أمنع الدّهر جائعا |
فقولا لهذا اللائمي اليوم : أعفني |
|
فإن أنت لم تفعل فعضّ الأصابعا |
فما ذا عسيتم (٤) أن تقولوا لأختكم |
|
سوى عذلكم أو منع من كان مانعا |
ومهما (٥) ترون اليوم إلّا طبيعة |
|
فكيف بتركي يا ابن أمّ الطبائعا |
أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم الحسيني ، أنبأنا رشأ بن نظيف ، أنبأنا الحسين بن إسماعيل ، نبأنا أحمد بن مروان ، نبأنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، قال : سمعت أحمد بن أيوب يقول : أنشد حاتم هذه الأبيات :
قليل المال يصلحه فيبقى |
|
ولا يبقى الكثير مع الفساد |
فقال : قطع الله لسانه فأين هو عن هذه الأبيات :
فلا الجود يغني المال قبل فنائه |
|
ولا البخل في مال الشّحيح يزيد |
فلا تعش اليوم بعيش مقتّر |
|
لكلّ غد رزق يجيء جديد |
أخبرنا أبو العز كادش ـ إذنا ومناولة فقرأ عليّ إسناده ـ أنبأنا أبو علي الجازري ، أنبأنا المعافى بن زكريا ، أنبأنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، أنبأنا أبو العباس المبرد ، وأخبرني الثوري عن أبي عبيدة قال : لما بلغ حاتم طيئ قول المتلمّس :
__________________
(١) الصرمة : القطعة من الإبل ، ما بين ١٠ إلى ٣٠ ، أو إلى الخمسين والأربعين ، أو ما بين العشرة إلى الأربعين ، أو ما بين عشرة إلى بضع عشرة (القاموس).
(٢) في الأغاني : عضّني.
(٣) الأبيات في الأغاني ١٧ / ٣٦٥.
(٤) في الأغاني : فما ذا عساكم.
(٥) الأغاني : وما ذا ترون.