ربيعة بن أحمد بن طولون قال (١) : لمّا توفي (٢) خمارويه قبض عليّ وعلى مضر وشيبان ابني أحمد بن طولون جيش بن خمارويه وحبسنا (٣) بدمشق ، فلمّا قفل إلى مصر حبسنا في حجرة من الميدان معه ، وكانت تأتينا في كل يوم مائدة نجتمع عليها ، وكان في الحجرة رواق وبيتان وجلوسنا في الرواق ، فوافى خادم له ، فأدخلوا أخانا مضر في البيت فانفصل عنا ، فكانت المائدة تقدم إلينا ونمنع أن نلقي إليه منها شيئا ، فأقام خمسة أيام لا يطعم ولا يستغيث (٤) ، ثم وافى إلينا من أصحاب جيش فقالوا : أما مات أخوكم بعد؟ فقلنا : ما نسمع له حسّا ، ففتحوا الباب فوجدوه حيّا ، ورام القيام فلم يصل إليه ، فرماه الثلاثة بثلاثة أسهم في مقاتله فطعن ، وكانت ليلة الجمعة وأخرجوه وأغلقوا الباب علينا ، وأقمنا يوم الجمعة والسبت لم يقدم إلينا طعام ، فظننا أنهم سلكوا بنا طريقه ، فلما كان يوم الأحد سمعنا صارخة في الدار ، وفتح باب الحجرة وأدخل إلينا جيش بن خمارويه. فقلنا : ما خبرك؟ فقال : غلب أخي على أمري. وتولى إمارة البلد هارون بن خمارويه ؛ فقلنا : الحمد لله الذي قبض يدك وأضرع خدك. فقال : ما كان عزمي إلّا أن ألحقكما بأخيكما. وأنفذ إلينا جماعتنا مائدة. فلما طعمنا بعث إلينا خادما أنّ جيشا كان قد عزم على قتلكما كما قتل أخاكما ، فاقتلاه (٥) وخذا بثأركما منه وانصرفا على أمان وبعث إلينا خدما فتسرعوا إليه فقتل ، وانصرفنا إلى منازلنا وقد كفينا عدونا ، انتهى.
وذكر محمّد بن أحمد الورّاق أن الخبر بذلك وصل إلى بغداد في النصف من شهر ربيع الآخر من هذه السنة يعني سنة ثلاث (٦) وثمانين ومائتين ، وبلغني أن مدة جيش كانت تسعة أشهر ، وقيل ستة أشهر (٧).
__________________
(١) الخبر في النجوم الزاهرة ٣ / ٩٣.
(٢) في النجوم : لما قتل أخي خمارويه ودخل ابنه جيش مصر ، قبض ...
(٣) في النجوم الزاهرة : وحبسهما في حجرة معي في الميدان.
(٤) الأصل : «لا تطعم ولا تستغيث» والمثبت عن النجوم والمختصر.
(٥) عن النجوم الزاهرة وبالأصل : فاقبلا.
(٦) في الوافي : «وكانت قتلته في حدود التسعين والمائتين». كذا.
(٧) انظر في مدة ولايته : ولاة مصر للكندي ص ٢٦٦ والنجوم الزاهرة ٣ / ٩٤.