فلما قدمها تبّع نشرت التوراة اليهود ، وجعلوا يدعون الله [على] (١) النار حتى أطفأها الله ، وكان لأهل اليمن شيطان يعبدونه (٢) قد بنوا له بيتا من ذهب وجعلوا بين يديه حياضا وكانوا يذبحون له فيها ، فيخرج فيصيب من ذلك الدم ويكلمهم ويسألونه وكانوا يعبدونه ، فلما أن أطفأت اليهود النار [قالوا] (٣) لتبّع : إن ديننا هذا الذي [نحن] (٤) عليه خير من دينك ، فلو أنّك تابعتنا على ديننا فقد رأيت أن إلهك هذا لم يغن عنك شيئا ولا عن قومك عند الذي نزل بكم. فقال تبّع : فكيف نصنع به ونحن نرى منه ما ترون من الأعاجيب؟ فقالوا : أرأيت إن أخرجناه عنك أتتبعنا على ديننا؟ قال : نعم ، فجاءوا إلى باب ذلك البيت فجلسوا عليه بتوراتهم ثم جعلوا يذكرون اسم الله ، فلما سمع بذلك الشيطان لم يثبت وخرج جهارا حتى وقع في البحر ، وهم ينظرون ، وأمر تبّع بيته ذلك الذي كان فيه فهدم وتهوّد بعض ملوك حمير ويزعم بعض الناس أن تبّعا كان قد تهوّد.
قال : ولما فعل تبّع ما فعل غضبت ملوك حمير وقالوا : اما كان يرضى أن يطيل غزونا ، ويبعدنا في المسير من أهلنا حتى طعن علينا أيضا في ديننا ، وعاب آباءنا فاجتمعوا على أن يقتلوه ويستخلفوا أخاه من بعده.
قرأت بخط عبد الوهاب بن عيسى بن ماهان ، أنا الحسن بن رشيق ، حدّثني الحسن بن آدم ، حدّثني عبيد بن محمد الكشوري ، حدّثني أحمد بن عبد الله بن عروة ، حدّثنا محمد بن عوسجة ، حدّثني عبد الرّحمن بن هشام ـ هو ابن يوسف ـ عن أبيه قال : ذكر حفص بن عمر عن عباد بن زياد المرّي عن من أدرك قال : أقبل تبّع يفتتح المدائن ويقاتل العرب حتى نزل المدينة وأهلها يومئذ يهود ، فظهر على أهلها وجمع أحبار اليهود فأخبروه أنه سيخرج نبي مكة يكون قراره بهذه البلدة اسمه أحمد ، وأخبروه أنه لا يدركه فقال تبّع للأوس والخزرج : أقيموا بهذه البلدة فإن خرج فيكم فوازروه وصدّقوه وإن لم يخرج فأوصوا بذلك أولادكم فقال في شعره :
حدثت أن رسول المليك |
|
يخرج حقا بأرض الحرم |
ولو مدّ دهري إلى دهره |
|
لكنت وزيرا له وابن عمّ |
__________________
(١) زيادة عن ابن إسحاق ص ٣٢.
(٢) سقطت من الأصل واستدركت على هامشه.
(٣) اسمه رئام كما في تاريخ الطبري ٢ / ١٠٩.
(٤) زيادة عن ابن إسحاق ص ٣٢.