فالتاريخ يحدثنا أن الرجل قد اعترف بالنصرانية في عام ٣١١ م ، كواحدة من ديانات امبراطوريته ، بل إن هناك بعض الروايات التي تذهب إلى أن الرجل قد تنصر في عام ٣١٢ م ، وإن ذهبت روايات أخرى إلى أنه بقي وثنيا طوال حياته ، ولم يتقبل النصرانية إلا على فراش الموت ، هذا فضلا عن أن أمه «هيلانة» هي التي بنت كنيسة القيامة في بيت المقدس (١).
أما رواية خدّ العراق ، فهي اسرائيلية صرفة ، وليس في تاريخ البابليين ـ فضلا عن اليهود أنفسهم ـ ما يشير إلى هذا الحادث ، وإن كانت التوراة (٢) قد أشارت إلى حادث يشبه هذا ، إلا أنه لم يكن مع «دانيال» الذي كان مقربا الى البلاط البابلي ، وإنما كان مع ثلاثة من اليهود يعملون سقاة في القصر الملكي ، ويبدو أن الرواية قد نقلت إلى المؤرخين المسلمين من اليهود محرفة ، فضلا عن أن أكبر الظن عندي أن قصة التوراة نفسها ، إنما هي قصة الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلا أن طغمة باغية من يهود قد عبثت بالقصة ، فحولتها إلى هؤلاء الذين كانوا يشرفون على شراب الملك البابلي ، وما أكثر الحقائق الدينية والتاريخية التي حرفها اليهود في توراتهم.
أضف إلى ذلك ، أن القرآن الكريم لم يتحدث عن عدد الضحايا في مذبحة الأخدود هذه ، إلا أن المفسرين وأهل الأخبار أخذوا يتنافسون في تقديم أرقام مختلفة عن ضحايا الحادث الأليم ، دون أن يذكروا لنا
__________________
(١) عمر كمال توفيق : تاريخ الامبراطورية البيزنطية ، الاسكندرية ١٩٦٧ ص ٢٩ ، وانظر كذلك : إدوارد جيبون : اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها ، ترجمة محمد علي أبو ريدة ، القاهرة ١٩٦٩ ، الجزء الأول ص ٥٦٣ وما بعدها ، فيليب حتى : تاريخ سورية ولبنان وفلسطين ـ الجزء الأول ـ ص ٣٨٧ ـ ٣٨٨ ، ثم قارن : Sozomenus, Historia Eccelesiastica, BK. I, ch, ٤ Eusebius, Bk. X, Ch, S
(٢) دانيال : ١ ـ ٣ : ٣٠