وليس من شك في أن هذا كان من نتيجة تأثير الديانة المصرية عليهم ، تلك الديانة التي تمكنت من نفوسهم إبان إقامتهم الطويلة في مصر ، لدرجة أنهم ما كانوا بمستطيعين الإيمان بدعوة موسى ، إما خوفا من فرعون ، وإما خوفا من شيوخ بني إسرائيل ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم (فَما آمَنَ لِمُوسى ، إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ» (١) ، باعتبار الضمير في «ملئهم» راجعا إلى قوم موسى ، بل إن القوم برموا بموسى وضجروا به ، وقالوا (أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا» (٢).
وهكذا بقيت الوثنية راسخة في قلوبهم ، حتى بعد انغلاق البحر لهم ، وحتى بعد أن جاوزوه على يبس (٣) ، وحتى بعد أن منّ الله عليهم بالمن والسلوى ، وحتى بعد أن استسقوا موسى ، فضرب الحجر بعصاه فانبجست منه اثنتا عشرة عينا لكل سبط من الأسباط مشربهم (٤) ، حتى بعد أن نزلت عليهم شريعة السماء تحذرهم من اتخاذ آلهة أخرى غير الله ، حتى بعد هذا كله ، فإنهم سرعان ما زاغوا عن الطريق المستقيم ، وكفروا بالله الواحد الأحد ، «وصنعوا لهم عجلا مسبوكا وسجدوا له وذبحوا له وقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر» (٥).
ولم تكن أيام يشوع ، بأفضل من أيام موسى ، بالنسبة للوثنية الإسرائيلية (٦) ، هذا فضلا عن أن السمة المميزة لعصر القضاة ، إنما
__________________
(١) سورة يونس : آية ٨٣
(٢) الاعراف : آية ١٢٩
(٣) سورة البقرة : آية ٥٠ ، يونس : آية ٩١ ـ ٩٢ ، طه : آية ٧٧ ، الشعراء : آية ٦١ ـ ٦٨
(٤) سورة البقرة : آية ٦٠ ـ ٦١ ، الاعراف : آية ١٦٠ وطه : آية ٨٠ ـ ٨١
(٥) خروج ٣٢ : ٨
(٦) يشوع ٢٤ : ١٤ ، ٢٣