استغنيت عنه فسيّره ، ومن احتجت إليه في حصارك فاحتبسه. وليكن فيمن يحتبس خالد بن الوليد فإنه لا غنى بك عنه.
قالوا فدفع ذلك الكتاب إلى خالد بن الوليد بعد فتح دمشق بنحو من عشرين ليلة. فأقبل حتى دخل على أبي عبيدة فقال : يغفر الله لك ، أتاك كتاب أمير المؤمنين [بالولاية](١) فلم تعلمني وأنت تصلي خلفي والسلطان سلطانك؟ فقال أبو عبيدة : وأنت يغفر الله لك ما كنت لأعلمك ذلك حتى تعلمه من عند غيري ، وما كنت لأكسر عليك حربك (٢) حتى ينقضي ذلك كله ، ثم قد كنت أعلمك إن شاء الله ، وما سلطان الدنيا أريد وما للدنيا أعمل ، وإنّ ما ترى سيصير إلى زوال وانقطاع. وإنما نحن إخوان وقوّام بأمر الله عزوجل. وما يضر الرجل أن يلي عليه أخوه في دينه ولا دنياه. بل يعلم الوالي أنه يكاد أن يكون أدناهما إلى الفتنة وأوقعهما في الخطيئة لما يعرض من الهلكة إلّا من عصم الله عزوجل ، وقليل ما هم. ودفع أبو عبيدة عند ذلك إلى خالد بن الوليد الكتاب (٣).
قال أبو حذيفة : وولي أبو عبيدة (٤) حصار دمشق ، وولي [خالد](٥) بن الوليد القتال على باب الشرقي ، وولاه الخيل إذا كان يوم يجتمع المسلمون فيه للقتال. فحاصروا دمشق بعد هلاك أبي بكر حولا كاملا وأياما (٦) وإنه لما طال على صاحب دمشق انتظار مدد قيصر ، رأى المسلمين لا يزدادون إلّا كثرة وقوة وأنهم لا يفارقونه أقبل يبعث إلى أبي عبيدة يسأله الصلح ، وكان أبو عبيدة أحبّ إلى الروم وسكان الشام من خالد بن الوليد ، فكان أن يكون الكتاب منه أحبّ إليهم ، وكان اكتبهما وأقربهما منهم قربا. وكان قد بلغهم أنه أقدمهما هجرة وإسلاما. فكانت رسل صاحب دمشق إنما تأتي أبا عبيدة وخالد يلحّ على أهل الباب. فأرسل صاحب دمشق إلى أبي عبيدة فصالحه وفتح
__________________
(١) زيادة عن مختصر ابن منظور.
(٢) عن مختصر ابن منظور وبالأصل وخع «حزنك».
(٣) انظر الطبري ٣ / ٤٣٨ وفتوح البلدان ص ١٢٨ وفتوح الأزدي ١٠٣ وفتوح ابن الأعثم ١ / ١٢٥.
(٤) بالأصلين : أبو حذيفة ، والصواب عن مختصر ابن منظور.
(٥) زيادة عن خع.
(٦) في مدة الحصار اختلاف ، ما بالأصل يوافق رواية اليعقوبي تاريخه ٢ / ١٤٠ ، وانظر فتوح الشام للواقدي ١ / ٧٠ والطبري ٣ / ٤٣٨ وفتوح ابن الأعثم ١ / ١٢٧.