وقال له إني خائف من الوليد ، وقد عزمت على الهرب من مصر ، فما عندكم؟
قالوا له نحن نحميك على أن تقبل منا ، قال قولوا ، قالوا له نعمل عقابا وتعبده ، فان الذي خلصك منه في نومك هو بعض الروحانيين ، وهو يريد منك أن تعمل صورته فتعبده.
قال عون أشهد لقد قال لي وأنا أسمع : اعرف لي هذا المقام ولا تنسه. قالوا لقد بينا نحن لك ذلك.
فسمع منهم وعمل عقابا من ذهب ، وعجل عينيه من جوهرتين موشحتين بأصناف العمل الغريب.
وعمل له هيكلا لطيفا وجعله في صدره ، وأرخى عليه ستور الحرير ، فأقبل عليه السحرة على خدمته بالبخور والقربان ، إلى أن نطق لهم ، فأقام عون على عادته ودعى الناس إلى ذلك فأجابوه ، فلما مضت لذلك مدة أمر العقاب ببناء مدينة يحوله إليها فتكون حرزا له ومعقلا من كل أحد ، فأمر عون كل فاعل بمصر أن يجتمعوا له ، وأمر أصحابه أن يخرجوا إلى صحارى الغرب ويطلبوا إليه أرضا حسنة الاستواء ، ويكون المدخل فيها بين فجوج صعبة وجبال وعرة ، ويتوخى ان تكون تلك الارض قريبة من مغاض المياه ، فكان مغيض الماء هو اليوم الفيوم وكان مغيضا لمياه النيل ، حتى أصلحه يوسف عليه السلام ، وإنما أراد عون قرب مكان المدينة من مغيض المياه ليجري إليها الماء منها ، فخرج أصحابه يطوفون في الارض ، فأقاموا في ذلك شهرا حتى وجدوا له بغيته ، فلم يبق بمصر فاعل ولا مهندس ممن كان يفتت الصخور ويقطعها ويعمل شيئا مما يصلح للبنيان إلا وجهه ، وأنفذ معهم ألف فارس في طاعتهم ، وأنفذ معهم جميع الآلات ، وأقام في توجيه الزاد إليهم شهرا على العجل ، وطرق العجل اليوم ظاهرة واضحة في صحراء الغرب من خلف الاهرام ، وهي التي يقصدها أصحاب المطالب وهي بنية مشهورة.