فجاء فيها ـ أي في حكاية بريرة ـ ثلاث من السنن ، وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يستفصل أنّها الصدقة الواجبة أم لا.
مع أنّ الأظهر في أمثاله التأنّي ، وأيضا نقلوا أنّ أهل الكوفة كانوا يعطون المأكولات لأولاد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكانت أمّ كلثوم أو زينب ـ سلام الله عليهما ـ تأخذ منهم وترمي ، وتقول : إنّ الصدقة علينا حرام (١).
والحكاية مشهورة مسلّمة مقبولة ، يمكن أن يقال : إنّ المندوبة التي تكون في غاية الذلّة والمهانة لآخذها مثل ما يعطى للسائلين بأكفّهم تكون حراما عليهم من الجهة المذكورة ، ينبّه على ذلك علّة المنع من الزكاة الواردة في الأخبار المتواترة ، من أنّها أوساخ أيدي الناس (٢) ، وأين ذلك من المهانة المذكورة!
مع أنّهم عليهمالسلام في مقام القول بحليّة غير الزكاة ، وغير المفروضة علّلوا بعدم المنع من شرب المياه بين مكّة والمدينة ، مع أنّها ليس فيها مهانة بالمرّة ، بل مع العزّ والحشمة ، مع أنّها موقوفات غالبا ، ونظائرها لو كان نادرا ، إلّا أن يقال بمخالفة ذلك الإجماع المركّب ، وفيه أيضا تأمّل ، لأنّ رواية بريرة نقلها «الكافي» والشيخ وغيرهم قائلين بحجّيتهما من دون تأمّل فيها أصلا ، بل بنوا أمر الثلاث من السنن على نفس هذه الرواية.
وكذلك الحال فيما قلنا من فعل زينب وقولها ، ولم يتأمّل فيها أحد ، مع أنّ كون المهانة والذلّة فيها بديهي ومشاهد ، وتجويز مثل ذلك على أولاد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه تأمّل ، ويحتمل أن يكون الحرام خصوصيّة المهانة والذلّة ، وأمّا الهديّة فتكون حلالا كالخمس الذي يعطيهم معط ، والله يعلم.
__________________
(١) بحار الأنوار : ٤٥ / ١١٤ ، ينابيع المودّة : ٤٢١.
(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٦٨ الحديث ١١٩٩٣ ، بحار الأنوار : ٢٥ / ٢٣١ ، ٣٤ / ١٦٩.