أيضا ولم يكن الارتجاع فكذلك ، وتارة يأخذون جميع ما قدروا عليه من الزكاة إذا كانت آلافا وفوقها بأيّ قدر كان ، وعندهم المستغلّات العظيمة ، أو رأس مال التجارة الذي يكون في غاية الكثرة ، يأخذون جميع ما ذكرنا من الزكوات التي لا تحصى بعذر أنّ محصول الجميع لا يفينا لمجموع مؤنة السنة ، بل يبقى منها شيء قليل يحتاج إلى الزكاة بسببه ، وتارة يأخذون بادّعاء كوننا غارمين ، والأصل صحّة دعواهم ، إلى غير ذلك من أمثال ما ذكر ، وتارة يشترون من الزكاة أيّ قدر اشتهوا من المماليك والإماء ، ويعتقونهم من دون ضرورة ولا داعية إلى الشراء والعتق ، مع كون المساكين محتاجين.
بل وفي غاية الاحتياج ، لو لم يكونوا مضطرّين ، وتارة يعطونها لجماعة الذين وجب عليهم الكفّارات ، وتارة للمؤلّفة وإن كانوا مسلمين ، وتارة يعطونها لغير الشيعة بظنّ كونهم شيعة ، إلى غير ذلك ممّا ظهر وسيظهر.
فمع جميع ذلك ، أيّ شيء يبقى لهم ليتعيّشوا به ويصيروا مثل الأغنياء في التعيّش؟ وأيّ فرق بين عدم إعطاء الزكاة أصلا وإعطائها لغير المستحقّين لها ، ووضعها في غير مواضعها المعلومة من الآية ، والأخبار المتواترة في كونها حقّهم ومئونتهم؟ وأنّهم إنّما اوتوا من منع من منعهم حقوقهم (١) ، ولا شكّ في أنّهم منعوا حينئذ من حقوقهم.
هذا كلّه ؛ مضافا إلى تتبّع تضاعيف أحكام حقوق المستحقّين ، كالديون ونحوها من حقوق الناس ، بل وحقوق الله تعالى أيضا ، مثل أنّ من صلّى بوضوء توضّأ من البول النجس باعتقاد كونه ماء طاهرا ، فتبيّن له بعد الصلاة بلا فصل أنّه لم يكن إلّا البول (٢) ، إلى غير ذلك.
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٢ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٠٩ الحديث ١١٨٥٦.
(٢) انظر! الحدائق الناضرة : ٢ / ٣٧٠ ـ ٣٧٥.