اقتصر على اليقين لزم الضرر والعسر والحرج المنفيّات شرعا ، إذ كثيرا ما لا يمكن تحصيل اليقين ، بل كثيرا ما لا يمكن الإثبات بالعدول من الشهود ، سيّما مع ما في معرفة العدالة والعدول ، من الإشكالات والاختلافات.
وخصوصا بملاحظة كون الفقير في غاية القرب من حدّ الغنى ، فإنّه لو نقص مئونته قليلا من سنته غاية القلّة دخل في حدّ الفقر ، فربّما يصعب على الشهود غاية الصعوبة التمييز ، سيّما بعد ملاحظة ما ذكرناه فيما سبق من أنّ أحدا لا يموت بعدم تحقّق الزكاة له ، وأنّه تعالى هو الرزّاق وحلف عليه.
وخصوصا ؛ أنّ مراتب التعيّش متفاوتة جدّا غاية التفاوت في القناعة وعدمها ، والزّي وما يليق بالحال وما لا يليق ، وما يعتاد وما لا يعتاد وما يضرّ بنفس دون نفس إلى غير ذلك ، بل لعلّ المدار في أمثال ذلك بحسب العرف على الظنون ، لنهاية تعسّر اليقين من الجهات التي عرفت وغيرها ، فلو قال المولى لعبده : ائت لي فقيرا ، لا يأتي إلّا ما ظنّ وظهر لديه ، فيكون ممتثلا لما ذكر فتأمّل!
ألا ترى! أنّ موسى ـ على نبيّنا وآله وعليهالسلام ـ مع كونه من اولي العزم ، اختار من قومه سبعين رجلا ، فظهر كونهم كفّارا ، مع أنّه تعالى مدح أهل التعفّف بما مدح.
وورد في الأخبار ترجيح من لا يسأل على من يسأل (١).
وورد في ذمّ السؤال ، والإظهار للفقر ما ورد ، من شدّة المنع غاية التشديد مع وجود الحاجة ، والأخبار في ذلك متواترة (٢).
وهذا ؛ كيف يمكن أن يجمع مع الإثبات فضلا عن تحصيل اليقين؟
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٠١ الحديث ٢٨٤ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٢٦١ الحديث ١١٩٨١.
(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٩ / ٤٣٨ الباب ٣٢ من أبواب الصدقة.