ثمّ اعلم! أنّه ببعض ما ذكر في المقام ، أي جواز الخرص للزكاة المجمع عليه بين الكلّ ، الثابت من أخبار كثيرة صحاح ومعتبرة (١) ، اتّضح غاية الوضوح فساد مختار المحقّق وابن الجنيد ، من عدم تعلّق الزكاة إلّا بالزبيب والتمر (٢) ، لأنّ الفقراء لو لم يصيروا ، شركاء قبل أن يصير زبيبا وتمرا ، ويكون العنب والحصرم والرطب والبسر ملك المالك ليس إلّا ، فأيّ معنى للخرص المذكور ، إذ الناس مسلّطون على أموالهم بالبديهة ، ومنعهم عن التصرّف ظلم عظيم ، والزبيب لا يصير زبيبا إلّا بعد الصرام ، ومضيّ مدّة ، ويصير المعاملة فيه منحصرا بالكيل والوزن ، لأنّه مكيل وموزون بلا شبهة.
وتجويز أخذ الزكاة بمجرّد الظنّ والتخمين ، مع كونه مكيلا وموزونا بالفعل. خلاف ما يظهر من الأخبار المتواترة ، وفتاوى كلّ الفقهاء حتّى المحقّقين المزبورين ، بل خلاف الإجماع ، والطريقة المستمرّة من زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الآن في الأعصار والأمصار ، بل بديهيّ الدين.
مع أنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا ، ولا يجوز العمل إلّا بدليل شرعي ، إجماع أو أخبار معمول بها.
وأمّا التمر ؛ وإن أمكن خرصه على الأشجار ، إلّا أنّ الخرص المعتبر في المقام غير مقصور عليه بالبديهة ، بل المعهود المتعارف كون الخرص قبل درجة التمريّة بلا ريبة.
مع أنّه إن قالا باعتبار الخرص وقت صيرورة جميع الثمار للمالك تمرا وجافّا يابسا ، فمع أنّه خلاف ما صرّحا به ، وما اعتبراه ، معلوم عدم صدوره من الناس ،
__________________
(١) راجع! الصفحة : ٣٣١ ـ ٣٣٤ من هذا الكتاب.
(٢) المعتبر : ٢ / ٥٣٤ ، شرائع الإسلام : ١ / ١٥٣ ، المختصر النافع : ٥٧ ، نقل عن ابن الجنيد في البيان : ٢٩٧.