وأمّا الروايات ، فلا تعارض تلك الأدلّة في القنوت الأوّل ، بل تؤكّدها فيه.
وأمّا المعارضة بالنسبة إلى القنوت الآخر فمرفوعة بكون المدار في أمثال ذلك الجمع بين الكلّ بالحمل على تفاوت مرتبة الاستحباب ، ودلالة هذا بالنسبة إلى نفي استحباب القنوت في الثانية مطلقا ، ظاهرة غير خالية من وهن ما ، بخلاف دلالة المعارض ، فإنّها صريحة في إثبات مطلوبيّة ما في القنوت الآخر ، مضافا إلى مخالفته لمذهب العامّة قطعا ، وللمداراة مع العوام جزما على حسب ما عرفت.
والظاهر لا يعارض الصريح فيما لا يسامح فيه من الأحكام ، فضلا عمّا يسامح فيه ، وخصوصا بالحيثيّة التي ذكرت ، وسيّما بملاحظة الشهرة العظيمة ، ووهن ما في الظاهر ، من جهة عدم مطلوبيّة القنوت في سائر الصلوات ، في الركعة الاولى أصلا ، فربّما كان المطلوب إثبات المطلوبيّة فيها في الجمعة ، لا نفيها رأسا أيضا من غيرها ، وإن كان لها ظهور فيه أيضا ، ولذا حمل ما ورد في غير واحد من المعتبرة ، ممّا دلّ على نفي القنوت رأسا على عدم وجوبه ـ مع صراحته في النفي ـ وكون القنوت من أكيد المستحبّات (١) حتّى ورد فيه ما ورد.
وأين هذا من ظهور في مقام استحباب ما ، فتأمّل!
ثمّ اعلم! أنّه قال بعض الفقهاء : إنّ في الوتر أيضا قنوتين ، أحدهما قبل الركوع ، والآخر بعده (٢) ، لما ورد من أنّ أبا الحسن عليهالسلام كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال : هذا مقام من حسناته نعمة وشكره ضعيف ، وذنبه عظيم ، وليس لذلك إلّا رفقك ورحمتك ، فإنّك قلت في كتابك المنزل على لسان نبيّك المرسل (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ. وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٣) ، طال
__________________
(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٦ / ٢٦٤ الباب ٢ ، ٢٧٠ الباب ٥ من أبواب القنوت.
(٢) منتهى المطلب : ٥ / ٢٢١ و ٢٢٢.
(٣) الذاريات (٥١) : ١٧ و ١٨.