وأزواجهم ـ أردف ذلك ذكر الزوج الثالث ، وبين ما يلقاه من النكال والوبال وسوء الحال ، فهو يتظلى فى السموم ، ويشرب ماء كالمهل يشوى الوجوه ، ثم أعقبه بذكر السبب فى هذا ، بأنهم كانوا فى دنياهم مترفين غارقين فى ذنوبهم ، منكرين هذا اليوم يوم الجزاء ؛ ثم أمره أن يخبرهم بأن هذا اليوم واقع حتما وأن مأكلهم سيكون من شجر الزقوم يملئون منه بطونهم ، ثم يشربون ولا يرتوون كالإبل الهيم ، وهذا ما أعد لهم من كرم وحسن وفادة فى هذا اليوم.
الإيضاح
(وَأَصْحابُ الشِّمالِ ، ما أَصْحابُ الشِّمالِ) أي أصحاب الشمال فى حال لا يستطاع وصفها ، ولا يقدر قدرها من نكال ووبال وسوء منقلب.
ثم فسر هذا المبهم بقوله :
(فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ. وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ. لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) أي هم فى حرّ ينفذ فى المسامّ ، وماء متناه فى الحرارة ، وظل من دخان أسود ، ليس بطيّب الهبوب ، ولا حسن المنظر ، لأنه دخان من سعير جهنم يؤلم من يستظل به.
قال ابن جرير : العرب تتبع هذه اللفظة (الكريم) فى النفي فيقولون هذا الطعام ليس بطيب ولا كريم ، وهذا اللحم ليس بسمين ولا كريم ، وهذه الدار ليست بواسعة ولا كريمة اه.
وذكر السموم والحميم ولم يذكر النار ، إشارة بالأدنى إلى الأعلى ، فإن هواءهم إذا كان سموما ، وماءهم الذي يستغيثون به حميما ، مع أن الهواء والماء من أبرد الأشياء وأنفعها ، فما ظنك بنارهم ، فكأنه قال : إن أبرد الأشياء لديهم أحرها ، فما بالك بحالهم مع أحرّها؟.
ونحو الآية قوله تعالى : «انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ. انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ. لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ. إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ