ولما كان ما ذكر يتضمن الافتقار المتجدد إليه تعالى أوضحه بقوله :
(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لأن المادة دائما تلبس جديدا وتخلع قديما ، فأجسامنا وأجسام الحيوان على هذا المنوال ، فهما فى حاجة إلى بقاء الأجسام وتغذيتها وإذا انحل جسم افتقر إلى شىء يعوّض ما ذهب ، فالتغيرات المستمرة افتقار ، وهذا الافتقار مستمر فى كل لحظة ، وذلك يدعو إلى السؤال من الواهب المعطى إما بالنطق وإما بتوجه النفس وطلبها العون والمدد والفيض من فضله.
وجماع القول ـ أن المادة مفتقرة إلى بقاء ما يناسبها ، فالنبات فى كل لحظة مفتقر إلى ما يبقيه من ماء وهواء وموادّ أخرى ، والحيوان يطلب ما يحتاج إليه ، والإنسان يسأل ما هو فى حاجة إليه : إما سؤال حال ، وإما سؤال مقال فى كل وقت وآن.
(كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) فمن شئونه أنه يحيى ويميت ويرزق ، ويعزّ ويذل ، ويمرض ويشفى ، ويعطى ويمنع ، ويغفر ويعاقب ، ويرحم ويغضب ، إلى نحو أولئك.
ومن شئونه إعطاء أهل السموات والأرض ما يطلبون منه على اختلاف حاجاتهم وتباين أغراضهم.
عن عبد الله بن منيب قال : «تلا علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية فقلنا يا رسول الله وما ذلك الشأن؟ قال : أن يغفر ذنبا ، ويفرّج كربا ، ويرفع قوما ويضع آخرين» أخرجه الحسن بن سفيان والبزار وابن جرير والطبراني وأبو نعيم وابن عساكر.
وقال ابن عيينة : الدهر عند الله يومان : يوم الدنيا وشأنه فيه الأمر والنهى ، والإماتة والإحياء. ويوم القيامة وشأنه فيه الجزاء والحساب ، وسأل عبد الله بن طاهر الحسين بن الفضل عن الجمع بين هذه الآية ، وما صح من قوله صلّى الله عليه وسلم «جفّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة» فقال : شئون يبديها ، لا شئون يبتديها.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأى هذه النعم تكذبان؟ فكم من سؤال