ويرى جمع من المفسرين أن المعنى : إلا ليخضعوا لى ويتذللوا ، فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله ، متذلل لمشيئته ، منقاد لما قدره عليه ، خلقهم على ما أراد ، ورزقهم كما قضى ، لا يملك أحد منهم لنفسه نفعا ولا ضرا.
وهذه الجملة مؤكدة للأمر بالتذكير وفيها تعليل له ، فإن خلقهم لما ذكر يدعوه إلى تذكيرهم ويوجب عليهم التذكر والاتعاظ.
ثم ذكر أن شأنه مع عبيده ليس كشأن السادة مع عبيدهم فقال :
(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) أي إننى ما أريد أن أستعين بهم لجلب منفعة ولا دفع مضرة ، فلا أصرّفهم فى تحصيل الأرزاق والمطاعم كما يفعل الموالي مع عبيدهم.
ثم علل هذا بقوله :
(إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) أي إنه تعالى غير محتاج إليهم بل هم الفقراء إليه فى جميع أحوالهم ، لأنه خالقهم ورازقهم ، وهو ذو القدرة والقوة الغالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
روى أحمد عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «يقول الله تعالى : يا ابن آدم تفرّغ لعبادتى أملأ صدرك غنى وأسدّ فقرك ، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسدّ فقرك».
ولما أقسم سبحانه على الصدق فى وعيدهم ـ أخبر بإيقاع هذا الوعيد بهم يوم القيامة فقال :
(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) أي فإن للذين ظلموا أنفسهم باشتغالهم بغير ما خلقوا له من العبادة ، وإشراكهم بالله عز وجل وتكذيبهم رسوله نصيبا من العذاب مثل نصيب نظرائهم من الأمم السالفة التي كذبت رسلها.
(فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) أي فلا يطلبوا منى أن أعجل بالإتيان به ، فإنى لا أخاف