فإنّ ورود النص في ذلك ، لأنّ بطون الآيات غير ظواهرها ، وظواهرها حجّة علينا بلا تأمّل ـ لا يدلّ على استحباب نفس الجهر والإخفات بالبديهة.
بل ربّما كانت ظاهرة أيضا في الوجوب ، مع قطع النظر عن الأدلّة الكثيرة الدالّة عليه ، لما عرفت سابقا من ظهور قول ما يجهر فيه من الصلاة وما يخافت فيه من الصلاة في كون الجهر والإخفات ممّا تعيّن وثبت ، وقرّر شرعا كونه في الصلاة ، وكون الصلاة غير خالية منهما ، سيّما بعد ملاحظة ما وافقها من الأخبار التي كادت تبلغ التواتر ، والعبارات الظاهرة فيها.
انظر أيّها العاقل! كيف يكون الله ينهى نبيّه عن الجهر الشديد ، مع كونه خلاف مدلول الآية ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : لا بأس؟
وكذلك الحال في الإخفات ، ويأمره بأخذ الوسط في كلّ فرد منها والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يمتثل أمره ، وكذلك الأئمّة عليهمالسلام ، ومع ذلك يأمرون الغير أيضا بعدم الامتثال والمخالفة ، ويبالغون ويصرّون ، إلى أن جعلوا ذلك من بديهيّات دينهم ، بل إلى حدّ ظهر على الشيعة الوجوب بلا تأمّل منهم إلّا من شاذّ منهم (١).
ومع جميع هذا جعل في «المدارك» و «الذخيرة» ما ذكر هو الأظهر من الآية ، حتّى جعلا ذلك دليلا على عدم الوجوب (٢) ، والمعصوم من عصمه الله ، والأفكار السليمة قلّما يتّفق اتّفاقهم على الخطأ كما ظهر ، وظهر عليّ أنّ الخطأ إنّما هو من النادر ، كما هو الحال في المقام وما وافقه.
فظهر عليك أنّ الآية أيضا دليل واضح للمعظم ، ومرجّح تامّ للأخبار الدالّة على الوجوب عقلا ونقلا.
__________________
(١) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ / ١٥٣.
(٢) مدارك الأحكام : ٣ / ٣٥٧ ، ذخيرة المعاد : ٢٧٤.