بمدلول الآية قال بالتعيين ، والتفصيل المعروف من بديهيّات الدين أو المذهب.
ولم يتأمّل أحد فيه ، حتّى القائل بالاستحباب ، وحيث كانت الآية واضحة الدلالة على الوجوب وحرمة المخالفة ، مضافا إلى جميع ما عرفته من الأدلّة والشواهد فكيف يبقى له ريبة؟
على أنّ ما ذكراه من ظهور القرآن فيما ذكراه لا يخفى فساده من وجوه كثيرة :
الأوّل : كون النهي حقيقة وظاهرا في الحرمة ، وعلى ما ذكراه لا حرمة بالبديهية ، ففيه خلاف الأصل والظاهر مرّتين ، وفيهما ما فيهما.
الثاني : كون الجهر غير مقيّد بالشدّة ، وكذلك الإخفات ، والأصل والظاهر عدم التقيّد ، ففيه أيضا الخلافان مرّتان.
الثالث : قوله تعالى (وَابْتَغِ) (١). إلى آخره أمر حقيقة في الوجوب وظاهر فيه ، ففيه الخلافان مرّة (٢) فصار خمس مرّات.
والرابع : كون المستحب هو بين الجهر الشديد والإخفات الشديد في جميع الصلوات كما ذكراه وجعلاه شاملا لمحلّ النزاع ، خلاف الضرورة من الدين والمذهب ، والأخبار المتواترة ، وفعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام ، والمسلمين في جميع الأعصار والأمصار وغير ذلك ، ومسلّم عند الخصم أيضا بطلانه ، إذ لو كان الراجح هو البين بين في كلّ صلاة لم يكن الراجح خصوص الجهر في بعض أجزاء بعض الصلوات بالبديهة ، وكذلك الحال في الإخفات.
وجعل المراد لا تجهر الجهر الشديد فيما تجهر فيه من صلاتك ، ولا تخافت الإخفات الشديد فيما تخافت فيه من صلاتك ـ مع ما فيه من المفاسد التي عرفت ،
__________________
(١) الإسراء (١٧) : ١١٠.
(٢) كذا في النسخ ، والظاهر الصحيح : مرّتان فصار ستّ مرّات.